Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 58, Ayat: 1-5)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ المفضل عن عاصم { ما هن أمهاتهم } على الرفع على لغة بني تميم . الباقون بنصب { أمهاتهم } على لغة أهل الحجاز ، وهي لغة القرآن ، كقوله { ما هذا بشراً } وقرأ عاصم { يظاهرون } بضم الياء بألف . وقرأ ابن كثير ونافع وابو عمرو { يظهرون } بغير الف مشددة الظاء والهاء . وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي { يظاهرون } بتشديد الظاء والف ، وفتح الياء . وقال ابو علي النحوي : ظاهر من امرأته وظهر مثل ضاعف وضعف وتدخل التاء على كل واحد منهما ، فيصير تظاهر وتظهر ، ويدخل حرف المضارعة ، فيصير تتظاهر ، ويتظهر . ثم يدغم التاء في الظاء لمقاربتهما ، فيصير يظاهرون ويظهرون - بفتح الياء - التي هي للمضارعة ، لانها للمطاوعة ، كما تفتحها في ( يتدحرج ) الذي هو مطاوع ( دحرجته ، فتدحرج ) واختار عاصم أن المظاهرة من المضارعة ، لان المفاعلة لا يكون إلا من نفسين . والظهار يكون بين الرجل وامرأته . ومن قرأ { يظاهرون } فأصله يتظاهرون فأدغم التاء في الظاء . والظهار قول الرجل لامرأته : انت عليّ كظهر أمي ، وكان أهل الجاهلية إذا قال الرجل منهم هذا لامرأته بانت منه وطلقت . وفى الشرع لا تبين المرأة إلا انه لا يجوز له وطؤها إلا بعد ان يكفر . وعندنا ان شروط الظهار هي شروط الطلاق سواء من كون المرأة طاهراً طهراً لم يقربها فيه بجماع ، ويحضره شاهدين ويقصد التحريم فان اختل شيء من ذلك لم يقع به ظهار . ويقال فيه ظاهر فلان من امرأته ظهاراً ومظاهرة وإظهاراً ، فلان ظاهر وتظاهر تظاهراً إلا انه ادغم واظهر إظهاراً . وأصله تظهر تظهراً إلا انه ادغمت التاء في الظاء . وقيل : إن هذه الآية نزلت في خولة بنت ثعلبة وزوجها أوس ابن الصامت - في قول قتادة - وكان مجادلتها إياه مراجعتها في أمر زوجها . وقد كان ظاهر منها ، وهي تقول : كبرت سني ودق عظمي ، وان اوساً تزوجني وانا شابة ، فلما علت سني يريد أن يطلقني . ورسول الله صلى الله عليه وآله يقول بنت منه - على ما رواه ابو العالية - وفي رواية غيره انه قال لها : ليس عندي في هذا شيء ، فنزلت الآية . وقال ابن عباس : نزلت الآية في أوس بن الصامت . وكانت تحته بنت عم له ، فقال لها : أنت عليّ كظهر أمي ، فهو اول من ظاهر في الاسلام . وقيل كان يقال للمرأة خولة بنت خويلد . وكان الرجل في الجاهلية إذا قال لامرأته : انت عليّ كظهر أمي حرمت عليه ، فأنزل الله تعالى في قصة الظهار آيات . ولا خلاف أن الحكم عام في جميع من يظاهر ، وإن نزلت الآية على سبب خاص . فقال الله تعالى لنبيه { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها } فالجدال والمجادلة هي المخاصمة . وقد يقال : للمراجعة والمقابلة للمعنى بما يخالفه مجادلة . واصل الجدال الفتل . ومن قابل المعنى بخلافه طلباً للفائدة فليس بمجادل . فمجادلة المرأة لرسول الله كان مراجعتها إياه في أمر زوجها ، وذكرها أن كبرت سني ودق عظمي ، والنبي صلى الله عليه وآله يقول بنت منه - على ما رواه ابو العالية - لأنه لم يكن نزل عليه في ذلك وحي ولا حكم . وقوله { وتشتكى إلى الله } أي تظهر ما بها من المكروه ، تقول : اللهم إنك تعلم حالي فارحمني ، فالاشتكاء إظهار ما بالانسان من المكروه . والشكاية إظهار ما يصنعه به غيره من المكروه . وقوله { والله يسمع تحاوركما } أي مراجعة بعضكما لبعض . والتحاور التراجع وهو المحاورة ، تقول : تحاورا تحاوراً وحاور محاورة أي راجعه في الكلام ، قال عنترة : @ لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ولكان لو علم الكلام مكلمي @@ و { إن الله سميع بصير } أي على صفة يصح معها ان يسمع المسموعات إذا وجدت ، ويبصر المبصرات إذا وجدت . ثم قال { الذين يظاهرون منكم من نسائهم } أي الذين يقولون لنسائهم : أنت عليّ كظهر أمي ، ومعناه إن ظهرك عليّ حرام كظهر أمي ، فقال الله تعالى { ما هن أمهاتهم } أي ليست أزواجهم امهاتهم على الحقيقة { إن أمهاتهم } أي وليست امهاتهم في الحقيقة { إلا اللائي ولدنهم } من الأم وجداته . ثم اخبر { إنهم ليقولون } أي ان القائل لهذا يقول قولا { منكراً من القول } قبيحاً { وزوراً } أي كذباً ، لأنه اذا جعل ظهرها كظهر أمه وليست كذلك كان كاذباً في قوله . ثم قال تعالى { وإن الله لعفو غفور } أي رحيم بهم منعم عليهم متجاوز عن ذنبهم . وفى ذلك دلالة على ان الله رحمها وغيرها من النساء لرغبتها فى زوجها بالتوسعة من جهة الكفارة التي تحل بها . ثم بين تعالى ما يلزمه من الحكم ، فقال { والذين يظاهرون من نسائهم } يعني الذين يقولون هذا القول الذي حكيناه { ثم يعودون لما قالوا } واختلفوا فى معنى العود ، فقال قتادة العود هو العزم على وطئها . وقال قوم : العود الامساك عزم او لم يعزم وقال الشافعي : هو أن يمسكها بالعقد ، ولا يتبع الظهار بطلاق . وحكى الطبري عن قوم انهم قالوا : فيه تقديم وتأخير وتقديره : والذين يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبة من قبل ان يتماسا فمن لم يجد فصيام شهرين فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا ثم يعودون لما قالوا . وقال قوم : معناه ثم يعودون لنقض ما قالوا وإرتفاع حكمه . وقال قوم : لا تجب عليه الكفارة حتى يعاود القول ثانية . وهو خلاف اكثر اهل العلم . والذي هو مذهبنا أن العود المراد به إرادة الوطىء او نقض القول الذي قاله ، فانه لا يجوز له الوطىء إلا بعد الكفارة ولا يبطل حكم القول الأول إلا بعد ان يكفرّ . وقال الفراء : يحتمل ان يكون المراد ثم يعودون إلى ما قالوا ، وفيما قالوا ، وفي نقض ما قالوا ، أي يرجعون عما قالوا ، ويجوز فى العربية أن تقول : إن عاد لما فعل ، تريد ان فعله مرة أخرى ، ويجوز إن عاد لما فعل أي نقض ما فعل ، كما تقول : حلف ان يضربك بمعنى حلف ألا يضربك ، وحلف ليضربنك . وقوله { فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا } بيان لكيفية الكفارة ، فان أول ما يلزمه من الكفارة عتق رقبة فالتحرير هو ان يجعل الرقبة المملوكة حرة بالعتق بأن يقول المالك انه حر . والرقبة ينبغي ان تكون مؤمنة سواء كانت ذكراً او انثى صغيرة او كبيرة إذا كانت صحيحة الاعضاء . فان الاجماع واقع على انه يقع الاجزاء بها ، وقال الحسن وكثير من الفقهاء : إن كانت كافرة أجزأت . وفيه خلاف وتفاصيل . ذكرناه فى كتب الفقه . وتحرير الرقبة واجب قبل المجامعة لظاهر قوله { من قبل أن يتماسا } أي من قبل ان يجامعها فيتماسا . وهو قول ابن عباس ، فكان الحسن لا يرى بأساً ان يغشى المظاهر دون الفرج . وفى رواية اخرى عنه أنه يكره للمظاهر أن يقبل . والذي يقتضيه الظاهر ألا يقربها بجماع على حال ولا بمماسة شهوة وقوله { ذلكم توعظون به } ان تظاهروا ثم قال { والله بما تعملون خبير } أي عالم بما تفعلونه من خير وشر ، فيجازيكم بحسبه . ثم قال { فمن لم يجد } يعني الرقبة وعجز عنها { فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا } والتتابع عند أكثر العلماء ان يوالي بين أيام الشهرين الهلاليين او يصوم ستين يوماً . وعندنا انه إذا صام شهراً ومن الآخر ولو يوماً ، فقد تابع ، فان فرق فيما بعد جاز . وعند قوم : ان يصوم شهراً ونصف شهر لا يفطر فيما بينهما فان افطر لا لعذر استأنف . وان افطر لعذر من مرض اختلفوا ، فمنهم من قال يستأنف من عذر وغير عذر . وبه قال إبراهيم النخعي ورواه جابر عن ابي جعفر عليه السلام وقال قوم : يبني ، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وعطاء والشعبي . واجمعوا على ان المرأة إذا افطرت للحيض فى الشهرين المتتابعين فى كفارة قتل الخطأ او فطر يوم انها تبني فقاسوا عليه الظهار . وروى اصحابنا انه اذا صام شهراً ومن الثاني بعضه ولو يوماً ثم افطر لغير عذر ، فقد اخطأ إلا انه يبني على ما قدمناه . وإن افطر قبل ذلك استأنف . ومتى بدأ بالصوم وصام بعضه ثم وجد العتق لا يلزمه العتق وإن رجع كان افضل . وقال قوم : يلزمه الرجوع الى العتق . ومتى جامع فى ليالي الصوم وجب عليه الاستئناف وبطل حكم التتابع ، لانه خلاف الظاهر . ومتى جامع قبل الكفارة لزمته كفارة ثانية عند اصحابنا ، وكلما وطأ لزمته كفارة بعدد الوطىء . وقوله { فمن لم يستطع } يعني من لم يقدر على الصوم { فإطعام ستين مسكيناً } يعني - عندنا - لكل مسكين نصف صاع ، فان لم يقدر أعطاه مداً . و " روي عن النبي صلى الله عليه وآله انه اعطى المظاهر نصف وسق ثلاثين صاعاً . وقال أطعم ستين مسكيناً وراجعها " وذلك انه كان فقيراً عاجزاً عن جميع الكفارات . وقال الحسن : اعانه رسول الله صلى الله عليه وآله بخمسة عشر صاعاً . والعدد مراعى ، فان لم يجد العدد كرر على الموجودين تمام الستين . وإن جامعها قبل ان يتم الاطعام ، فظاهر المذهب يقتضي انه يلزمه كفارة اخرى ، لأنه وطأ قبل الكفارة . وقال قوم : لا يلزمه . وقال آخرون : يستأنف الكفارة وقوله { ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله } معناه إنا شرعنا لكم ما ذكرناه فى حكم الظهار لما علمناه من مصلحتكم لتؤمنوا بالله ورسوله ، فتصدقوهما وتقروا بتوحيد الله ، وبنبوة نبيه . ثم قال { وتلك حدود الله } يعني ما ذكرناه من حكم الظهار . ثم قال { وللكافرين } أي للجاحدين لصحة ما قلناه { عذاب أليم } ومتى نوى بلفظ الظهار الطلاق لم يقع به طلاق . وفيه خلاف بين الفقهاء ، والاطعام لا يجوز إلا للمسلمين دون اهل الذمة . وفيه خلاف . ومسائل الظهار وفروعها ذكرناها فى كتب الفقه . ثم قال { إن الذين يحادون الله ورسوله } والمحادة المخالفة فى الحدود أي من خالف الله ورسوله فيما ذكراه من الحدود { كبتوا } أي اخذوا - فى قول قتادة - وقال غيره : اذلوا . وقال الفراء : معناه اغيظوا واحزنوا يوم الخندق { كما كبت الذين من قبلهم } يعني من قاتل الانبياء من قبلهم . ثم قال تعالى { وقد أنزلنا آيات بينات } اي حجج واضحات من القرآن وما فيه من الادلة . ثم قال { وللكافرين } أي للجاحدين لما انزلناه من القرآن والآيات { عذاب مهين } أي يهينهم ويخزيهم .