Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 146-146)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أخبر الله تعالى انه حرم على اليهود في أيام موسى كل ذي ظفر . واختلفوا في معنى { كل ذي ظفر } فقال ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة والسدي : انه كل ما ليس بمنفرج الاصابع ، كالابل ، والنعام ، والاوز ، والبط . وقال أبو علي الجبائي : يدخل في ذلك جميع انواع السباع والكلاب والسنانير وسائر ما يصطاد بظفره من الطير . وقال البلخي : هو كل ذي مخلب من الطائر ، وكل ذي حافر من الدواب . ويسمى الحافر ظفرا مجازا ، كما قال الشاعر : @ فما رقد الولدان حتى رأيته على البكر يمريه بساق وحافر @@ فجعل الحافر موضع القدم . واخبر تعالى انه كان حرم عليهم شحوم البقر والغنم من الثرب ، وشحم الكلى ، وغير ذلك مما في أجوافها ، واستثنى من ذلك بقوله { إلا ما حملت ظهورها } ما حملته ظهورها فانه لم يحرمه ، واستثنى أيضا ما على الحوايا من الشحم ، فانه لم يحرمه . واختلفوا في معنى الحوايا ، فقال ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير وقتادة ومجاهد والسدي : هي المباعر . وقال ابن زيد : هن بنات اللبن . وقال الجبائي : الحوايا الامعاء التي عليها الشحم من داخلها . وحوايا جمع حوية وحاوية . وقيل في واحده حاوياء - في قول الزجاج - على وزن راضعات ورواضع ، وضاربة وضوارب ، ومن قال : حِويَّة قال وزنه فعائل مثل سفينة وسفائن في الصحيح ، وهي ما يجري في البطن فاجتمع واستدار ، ويسمى بنات اللبن والمباعر والمرابض وما فيها الامعاء بذلك . واستثنى أيضا من جملة ما حرم { ما اختلط بعظم } وهو شحم الجنب والإِلية ، لانه على العصص - في قول ابن جريج والسدي - وقال الجبائي : الإِلية تدخل في ذلك ، لانها لم تستثن وما اعتد بعظم العصص . وموضع { الحوايا } من الاعراب يحتمل أمرين : احدهما - قول اكثر اهل العلم : انه رفع عطفا على الظهور على تقدير : وما حملت الحوايا . الثاني - نصب عطفا على ما في قوله { إلا ما حملت } فأما قوله { أو ما اختلط بعظم } فيكون نسقاً على ما حرم لا على الاستثناء . والتقدير - على هذا القول - حرمنا عليهم شحومهما أو الحوايا او ما اختلط بعظم الا ما حملت الظهور ، فانه غير محرم . و { أو } دخلت على طريق الاباحة كقوله { ولا تطع منهم آثما أو كفورا } والمعنى إِعص هذا وأعص هذا ، فان جميعهم اهل ان يعصى ، ومثله جالس الحسن أو ابن سيرين اي جالس أيهما شئت . وهذه الاشياء وإِن كان الله تعالى حرمها على اليهود في شرع موسى ، فقد نسخ تحريمها على لسان محمد ( صلى الله عليه وآله ) وأباحها ، وتدعي النصارى ان ذلك نسخ في شرع عيسى ( ع ) ولسنا نعلم صحة ما يقولونه . وقوله { ذلك جزيناهم ببغيهم } معناه انا حرمنا ذلك عليهم عقوبة لهم على بغيهم . فان قيل : كيف يكون التكليف عقابا ، وهو تابع للمصلحة ، ومع ذلك فهو تعريض للثواب ؟ ؟ قلنا : إِنما سماه عقوبة ، لان عظيم ما أتوه من الاجرام والمعاصي اقتضى تحريم ذلك وتغير المصلحة ، وحصول اللطف فيه ، فلذلك سماه عقوبة ، ولولا عظم جرمهم لما اقتضت المصلحة ذلك . وقوله { وإِنا لصادقون } يعني فيما أخبرنا به من تحريم ذلك على اليهود فيما مضى . وان ذلك عقوبة لاوائلهم ومصلحة لمن بعدهم الى وقت النسخ . وحكي عن ابن علية أنه كان يقول : ان ما يذبحه اليهود لا يجوز أكل شحمه وان جاز أكل لحمه ، لان الشحوم كانت حراما عليهم . وعندنا ان ما يذبحه اليهود لا يجوز استباحة شيء منه ، وهم بمنزلة الميتة غير ان الذي ذكره غير صحيح ، لانه يلزم عليه انه لو نحر اليهود جملا ان لا يجَّوز اكله ، لانه كان حراما عليهم ، وذلك باطل عنده .