Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 148-148)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اخبر الله تعالى نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) بأن هؤلاء المشركين سيحتجون في إِقامتهم على شركهم ، وعلى تحريمهم ما أحله الله من الانعام التي تقدم وصفها بأن يقولوا : لو شاء الله ان لا نفعل نحن ذلك ولا نعتقده ولا آباؤنا ، او أراد منا خلاف ذلك { ما أشركنا نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا } شيئا من ذلك . فكذَّبهم الله تعالى بذلك في قوله { كذلك كذب الذين من قبلهم } ومعناه مثل هذا التكذيب الذي كان من هؤلاء - في انه منكر - { كذب الذين من قبلهم } وانما قال كذلك لتقضي الخبر ، ولو قال ( كذا ) لجاز ، لانه قريب بعد الاول ، و ( كذلك ) أحسن ، لان ما فيه من تأكيد الاشارة تغني عن الصفة . وحكي انه قرىء { كذب الذين } بالتخفيف ، فمن خفف اراد ان هؤلاء كاذبون كما كذب الذين من قبلهم على الله بمثله . ومن قرأ بالتشديد ، فلأنهم بهذا القول كذبوا رسول الله لانهم قالوا له : ان الله أراد منا ذلك وشاءه ، ولو أراد غيره لما فعلناه ، مكذبين للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) كما كذب من تقدم انبياءهم فيما أتوا به من قبل الله . ثم بيَّن بقوله { قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا } أن ما قالوه باطل وكذب على الله لانه لو كان صحيحا لما رده عليهم . ثم أكد تكذيبهم بقوله { إن تتبعون إلا الظن } أي ليس يتبعون إِلا ظنا من غير علم { وإن أنتم إلا تخرصون } يعني تكذبون ، والخرص الكذب كقوله { قتل الخراصون } وفى هذه الآية أدلُّ دلالة على ان الله تعالى لا يشاء المعاصي والكفر ، وتكذيب ظاهر لمن أضاف ذلك الى الله مع قيام ادلة العقل على انه تعالى لا يريد القبيح ، لان إِرادة القبيح قبيحة ، وهو لا يفعل القبيح ، ولان هذه صفة نقص ، فتعالى الله عن ذلك علوًّا كبيراً . وقوله { حتى ذاقوا بأسنا } معناه حتى ذاقوا عذابنا ، واراد به حلول العذاب بهم فجعل وجدانهم لذلك ذوقا مجازا . وجاز قوله { ما أشركنا ولا آباؤنا } ولم يجز ان يقال : قمنا وزيد ، لان العطف على المضمر المتصل لا يحسن الا بفصل ، فلما فصلت ( لا ) حسن ، كما حسن : ما قد قمنا ولا زيد كان كذلك ، لان الضمير المتصل يغيَّر له الفعل في ( فعلت ) فيصير كجزء منه . فان قيل : انما أنكر الله تعالى عليهم هذا القول ، لانهم جعلوا هذا القول حجة في إِقامتهم على شركهم ، فأعلم الله عز وجل ان { كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا } ولم ينكر عليهم انهم قالوا الشرك بمشيئة الله ، ولو كان منكرا لذلك ، لقال : كذلك كذب الذين - يتخفيف الذال - . قلنا : لا يجوز ذلك ، لانه تعالى بين انهم كذبوا في هذا القول بقوله { وإن أنتم إلا تخرصون } أي تكذبون ، فاما كذبوا فقد حكينا أنه قرىء - بالتخفيف - ومن شدد الذال ، فلان تكذيب الصادق كذب ، وهو يدل على الامرين ، فان قالوا : انما عابهم ، لانهم كانوا متهزئين بهذا القول لا معتقدين ولا متدِّينين . قلنا : المعروف من مذهبهم خلافه ، لانهم كانوا يعتقدون ان جميع ما يفعلونه قربة الى الله ، وان الله تعالى ارادة واخبر عنه ، فكيف يكونون متهزئين ، على ان الهازىء بالشيء لا يسمى كاذبا ، فكيف سماهم الله كاذبين ؟ على انه اذا كان كل ما يجري بمشيئته فلا يجب ان ينكر على احد ما يعتقده ، لانه اعتقد ما شاء الله . ومن فعل ما شاء كان مطيعا له ، لان الطاعة هي امتثال الامر والمراد منه . وهذا باطل بالاجماع . فان قيل : انما عاب الله المشركين بهذه الآية ، لانهم قالوا ذلك حدسا وظنا لا عن علم ، وذلك لا يدل على انهم غير صادقين ، وقد يجوز ان يكون الانسان صادقا فيما يخبر به ويكون قوله صادرا عن حدس وعن ظن . قلنا : لو كان الامر على ما قلتم لما كانوا كاذبين اذا كان مخبر ما أخبروا به على ما أخبروا ، وقد كذبهم الله في اخبارهم بقوله { كذلك كذب الذين من قبلهم } وبقوله { وإن أنتم إلا تخرصون } على ان من ظن شيئا فاخبر عنه لا يوصف بأنه كاذب وان كان على خلاف ما ظنه فكيف اذا كان على ما ظنه .