Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 157-157)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه الآية عطف على ما قبلها والتقدير : انا أنزلنا القرآن المبارك لئلا يقولوا : انه ما انزل علينا الكتاب ، كما أنزل على من قبلنا ، او يقولوا : لو أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم في المبادرة الى قبوله والتمسك به ، كما يقول القائل : لو أتيت بدليل لقبلته منك . ومثل هذا يستبق الى النفس . وقوله { أهدى منهم } فلا دلالهم بالاذهان والافهام . وقد يكون العارف بالشيء أهدى اليه من عارف آخر ، بأن يعرفه من وجوه لا يعرفها الآخر ، وبأن يكون ما يعرفه به أثبت مما يعرفه به الآخر . قال الرماني : والفرق بين الهداية والدلالة ان الهداية مضمنة بأنها نصبت ليهتدي بها صاحبها ، وليس كذلك الدلالة ، قال : ولذلك كثر تصرفها في القرآن ، كما كثر تصرف الرحمة ، لانها على المحتاج . وهذا فرق غير صحيح لان الدلالة أيضا لا تسمى دلالة الا اذا نصبت ليستدل بها ، ولذلك لا يقال : اللص دل على نفسه اذا فعل آثار امكن ان يستدل بها على مكانه ، ولم يقصد ذلك . وقوله { لو أنا } فتحت ( أن ) بعد ( لو ) مع انه لا يقع فيه المصدر ، لان الفعل مقدر بعد ( لو ) كأنه قيل : لو وقع الينا أنا أنزل هذا الكتاب علينا ، الا أن هذا الفعل لا يظهر من اجل طول ( أن ) بالصلة ، ولا يحذف مع المصدر الا في الشعر قال الشاعر : @ لو غيركم علق الزبير بحبله أدى الجوار الى بني العوام @@ فقال الله لهم { فقد جاءكم بينة من ربكم } يعني حجة واضحة { وهدى ورحمة } وادلة مؤدية الى الحق ، ورحمة منه تعالى وانعام { فمن أظلم ممن كذب بآيات الله } يعني فمن أظلم لنفسه ممن كذب بآيات الله { وصدف عنها } أي اعرض عنها غير مستدل بها ولا مفكر فيها . وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي . فان قيل كيف قال { فمن أظلم ممن كذب بآيات الله } بأن يجحدها ، ولو فرضنا انه ضم الى ذلك قتل النفوس وانتهاك المحارم كان اظلم ؟ . قلنا عنه جوابان : احدهما - للمبالغة لخروجه الى المنزلة الداعية الى كل ضرب من الفاحشة . والآخر - انه لا خصلة ممن ظلم النفس اعظم من هذه الخصلة . ثم قال تعالى { سنجزي الذين يصدفون } أي يعرضون { عن آياتنا سوء العذاب } أي شديده { بما كانوا يصدفون } أي جزاء بما كانوا يعرضون وهو ما أعد الله للكفار نعوذ بالله . فان قيل : فهل للذين ماتوا قبل من خوطب بهذه الآية ان يقولوا هذا القول ؟ قيل : لا ، ليس له ذلك ، لان عذره كان مقطوعا بعقله ، وبما تقدم من الاخبار والكتب وهؤلاء أيضا لو لم يأتهم الكتاب والرسول لم يكن لهم حجة ، لكن فعل الله تعالى ما علم ان المصلحة تعلقت به لهؤلاء ، ولو علم ذلك فيمن تقدم ، لانزل عليهم مثل ذلك ، لكن لما لم ينزل عليهم علمنا ان ذلك لم يكن من مصلحتهم .