Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 23-24)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ حمزة والكسائي والعليمي ، ويقعوب { ثم لم يكن } بالياء . الباقون بالتاء . وقرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وحفص الا ابن شاهين { فتنتهم } بالرفع . الباقون بالنصب . وقرأ حمزة والكسائي وخلف { والله ربنا } بنصب الباء . الباقون بكسرها . من قرأ بالتاء ورفع الفتنة أثبت علامة التأنيث . وتكون ( أن ) في موضع نصب . وتقديره ثم لم تكن فتنتهم الا قولهم . وقد روى شبل عن ابن كثير { تكن } بالتاء { فتنتهم } نصباً مثل قراءة نافع وأبي عمرو عن عاصم . ووجهه انه أنَّث { أن قالوا } لما كان الفتنة في المعنى ، كما قال { فله عشر أمثالها } فأنَّث لما كانت الامثال في المعنى الحسنات . ومثله كثير في الشعر ، قال ابو علي والاول أجود من حيث كان الكلام محمولا على اللفظ . ويقوي قراءة من قرأ : { فتنتهم } بالنصب أن قوله { أن قالوا } أن يكون الاسم دون الخبر أولى لان ( أن ) اذا وصلت لم توصف ، فأشبهت بامتناع وصفها المضمر ، فكما أن المضمر اذا كان مع المظهر كان ( أن يكون ) الا سم أحسن ، كذلك اذا كانت ( أن ) مع اسم غيرها كانت ( أن يكون ) الاسم أولى . ومن قرأ { والله ربنا } - بكسر الباء - فعلى جعل الاسم المضاف وصفاً للمفرد ، لان قوله ( والله ) جربوا ولاقسم . ولو أسقطت لقال : ( الله ) بالنصب ومثله قولهم : رأيت زيداً صاحبنا وبكرا جارك ، ويكون قوله { ما كنا مشركين } جواب القسم . ومن نصب الباء يحتمل أمرين : احدهما - أن ينصبه بفعل مقدر ، وتقديره : اعني ربنا . والثاني - على النداء . ويكون قد فصل بالاسم المنادى بين القسم والمقسم عليه بالنداء ، وذلك غير ممتنع ، لان النداء كثير في الكلام . وقد حال الفصل بين الفعل ومفعوله في قوله : { إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك } والمعنى آتيتهم أموالا ليضلوا ولا يؤمنوا وقد جاء الفصل بين الصلة والموصول ، وهو اشدها قال الشاعر : @ ذاك الذي وأبيك يعرف مالك والحق يدفع ترهات الباطل @@ وقال ابو عبيدة : من قرأ بالتاء المعجمة من فوقها ونصب { فتنتهم } أضمر في ( يكن ) إِسما مؤنثاً ثم يجيىء بالتاء لذلك الاسم ، وانما جعله مؤنثا لتأنيث ( فتنة ) قال لبيد : @ فمضى وقدمها وكانت عادة منه اذا هي عودت أقدامها @@ فأنث الاقدام لتأنيث ( عادة ) . وقوله : { ثم لم تكن فتنتهم } أي لم تكن بليتهم التي ألزمتهم الحجة وزادتهم لائمة الا قولهم . ومعنى الآية : أنه تعالى لما ذكر قصص هؤلاء المشركين الذين كانوا مفتنين بشركهم ، أعلم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن افتتانهم بشركهم ، وإِقامتهم عليه لم يكن الا أن تبرءوا منه ، وقالوا انهم ما كانوا مشركين ، كما يقول القائل اذا رأى إِنسان انساناً يحب غاوياً فاذا وقع في هلكة تبرأ منه فيقول له ما كانت محبتك لفلان الا أن انتفيت منه . فان قيل : كيف قالوا وحلفوا أنهم ما كانوا مشركين - وقد كانوا مشركين - وهل هذا إِلا كذب ، والكذب قبيح ولا يجوز من أهل الآخرة أن يفعلوا قبيحا ، لانهم ملجؤن الى ترك القبيح ، لانهم او صح لم يكونوا ملجئين وكانوا مختارين ، وجب أن يكونوا مزجورين عن فعل القبيح ، وإِلا أدى الى اغرائهم بالقبيح وذلك لا يجوز ، ولو زجروا بالوعيد عن القبائح لكانوا مكلفين ولوجب أن يتناولهم الوعد والوعيد ، وذلك خلاف الاجماع ، وقد وصفهم الله تعالى أيضا بأنهم كذبوا على انفسهم ، فلا يمكن جحد أن يكونوا كاذبين ، فكيف يمكن أن يرفع ذلك ؟ وما الوجه فيه ؟ والجواب عن ذلك من وجوه : احدها - ما قاله البلخي : إِن القوم كذبوا على الحقيقة ، لانهم كانوا يعتقدون أنهم على الحق ، ولا يرون أنهم مشركون ، كالنصارى ومن أشبههم ، فقالوا في الموقف ذلك . وقيل : ان يقع بهم العذاب فيعلموا بوقوعه أنهم كانوا على باطل فيقولوا { والله ربنا ما كنا مشركين } وهم صادقون عند أنفسهم وكذبهم الله في ذلك ، لان الكذب هو الاخبار بالشىء لا على ما هو به ، علم المخبر بذلك أو لم يعلم ، فلما كان قولهم { والله ربنا ما كنا مشركين } كذباً في الحقيقة جاز أن يقال لهم { أنظر كيف كذبوا على أنفسهم } . قال البلخي : ويدل على ذلك قوله { وضل عنهم ما كانوا يفترون } أي ذهب عنهم وأغفلوه ، لانهم لم يكونوا نظروا نظراً صحيحا ولم يجاروا في نظرهم الالف والعادة ، فيعلموا في هذا الوقت أن قولهم شرك ، ولو صاروا الى العذاب لعلموا أنهم كانوا مشركين ، واستغنوا بذلك ، لكن هذا القول يكون عند الحشر . وقيل : الجزاء بدلالة أول الآية . وقال مجاهد : قوله { أنظر كيف كذبوا على أنفسهم } تكذيب من الله إِياهم . وقال الجبائي : قولهم { والله ربنا ما كنا مشركين } اخبار منهم أنهم لم يكونوا مشركين عند أنفسهم في دار الدنيا ، لانهم كانوا يظنون انهم على الحق ، فقال الله تعالى مكذبا لهم { انظر } يا محمد { كيف كذبوا على أنفسهم } في دار الدنيا ، لا أنهم كذبوا في الآخرة ، لانهم كانوا مشركين على الحقيقة ، وان اعتقدوا أنهم على الحق . وقوله : { وضل عنهم ما كانوا يفترون } أي ضلت عنهم أوثانهم التي كانوا يعبدونها ويفترون الكذب بقولهم : إِنها شفعاؤنا عند الله غدا ، فذهبت عنهم في الآخرة فلم يجدوها ، ولم ينتفعوا بها . وقال قوم : انه يجوز أن يكذبوا يوم القيامة للذهول والدهش ، لانهم يصيرون كالصبيان الذين لا تمييز لهم ولا تحصيل معهم - اختاره أحمد ابن علي بن الاخشاد . وأجاز النجار أن يكفروا في النار فضلا عن وقوعه قبل دخولهم فيها ، وهذا بعيد . والوجهان الاولان أقرب . وقيل فيه وجه آخر ، وهو أنهم أملوا أملا فخاب أملهم ولم يقع الامر على ما أرادوا ، لان من عادة الناس أنهم اذا عوقبوا بعقوبة فتكلموا واستعانوا وصاحوا فان العذاب يسهل عليهم بعض السهولة ، وظنوا أن عذاب الآخرة كذلك ، فقالوا : { والله ربنا ما كنا مشركين } وقالوا { ربنا ظلمنا أنفسنا } وقالوا { ربنا غلبت علينا شقوقنا } و { قالوا ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا } فأملوا أن يخف عنهم العذاب بمثل هذا الكلام على عادة الدنيا ، فلم يخف ولم يكن لهم فيه راحة ، فقال الله { انظر كيف كذبوا على أنفسهم } أي خابوا فيما أملوا من سهولة العذاب وذلك مشهور في كلام العرب ، قال الشاعر : @ كذبتم وبيت الله لا تأخذونها مراغمة ما دام للسيف قائم @@ وقال آخر : @ كذبتم وبيت الله لا تنكحونها بني شاب قرناها تصرو تحلب @@ أي كذبكم أملكم . وقال ابو داود الازدي : @ قلت لما نصلا من فتنة كذب العير وان كان برح @@ والمعنى أمل أنه يتخلص بشىء فكذبه أمله ، لانه ظن أنه اذا مرَّ بارحا وهو أن يأخذ في ناحية الشمال الى ناحية اليمين لم يتهيأ لي طعنه ، فلما قلب رمحه وطعنه قال : كذب العير أي كذب أمله . و ( الفتنة ) في الآية معناها المعذرة - في قول قتادة - لانها اعتذار عن الفتنة ، فسميت بأسم الفتنة . وقال قوم : هي المحنة . وقال قوم : تقديره عاقبة فتنتهم . وفتنتهم يجوز أن تكون بمعنى اغترارهم أي اغتروا بهذا الكذب وظنوا أنه سينجيهم ، وكذبوا على أنفسهم لما رجعت مضرته اليهم صار عليهم وان قصدوا أن يكون لهم . وفي الآية دلالة على بطلان قول من قال المعارف ضرورية ، لان الله تعالى أخبر عنهم أنهم قالوا { والله ربنا ما كنا مشركين } فلا يخلو أن يكونوا صادقين أو كاذبين ، فان كانوا صادقين لانهم كانوا عارفين في دار الدنيا فقد كذبهم الله في ذلك بقوله { انظر كيف كذبوا } وان كانوا كاذبين لانهم كانوا عارفين ، فقد وقع منهم القبيح في الآخرة ، وذلك لا يجوز . ومعنى الآية على ما بيناه من أنهم أخبروا أنهم لم يكونوا مشركين عند أنفسهم في دار الدنيا وان الله كذبهم وأنهم كانوا كاذبين على الحقيقة وان أعتقدوا خلافه في الدنيا . فأما معارفهم في الآخرة فضرورية عند البصريين ، وعند البلخي ومن وافقه ، حاصلة على وجه هم ملجؤن اليها ، فعلى الوجهين معا لا يجوز أن يقع منهم القبيح لا محالة .