Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 33-33)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ نافع والكسائي والاعشى الا النفار { لا يكذبوك } بسكون الكاف وتخفيف الدال ، وهو المروي عن علي ( ع ) وعن ابي عبد الله ( ع ) . الباقون بفتح الكاف وتشديد الذال من التكذيب . وقرأ نافع { إنه ليحزنك } بضم الياء وكسر الزاي . الباقون بفتحها وضم الزاي . قال ابو علي الفارسى ( فعل ، وفعلته ) جاء في حروف ، والاستعمال في ( حزنته ) أكثر من ( أحزنته ) فالي كثرة الاستعمال ذهب عامة القراء . وقال تعالى { إني ليحزنني أن تذهبوا به } ويقال حزن يحزن حزنا وحزنا ، قال تعالى { ولا تحزن عليهم } ثم قال : { ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } قال سيبويه : قالوا ( حزن الرجل ، وحزنته ) قال وزعم الخليل : أنك حيث قلت ( حزنته ) لم ترد ان تقول جعلته حزينا كما أنك حيث قلت أدخلته اردت جعلته داخلا ، ولكنك أردت ان تقول جعلت فيه حزنا كما قلت كحلته أي جعلت فيه كحلا ، ودهنته جعلت فيه دهنا ، ولم يرد بـ ( فعلته ) هذا تعدية قوله حزن ، ولو أردت ذلك لقلت احزنته ومثل ذلك ستر الرجل وسترت عليه ، فاذا اردت تغيير ستر الرجل قلت أسترت كما تقول فزع وافزعته . وحجة نافع أنه اراد تغيير ( حزن ) فنقله بالهمزة . وقال الخليل : اذا أردت تغيير ( حزن ) قلت ( أحزنته ) فدل ذلك على أن ( أحزن ) مستعمل وان كان ( حزَّنته ) اكثر . وحكى أبو زيد : أحزنني الامر احزانا ، وهو يحزنني ، ضموا الياء . وقال سيبويه : قال بعض العرب : افنيت الرجل وأحزنته وارجعته واعورت عينه ، أي جعلته حزينا وفانيا ، فغيروا ذلك كما فعلوا بالباب الاول . وقوله { قد نعلم إنه } انما كسرت الهمزة ، لان في خبرها لاما للتأكيد . لما علم الله تعالى أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يحزنه تكذيب الكفار له وجحدهم نبوته سلاه عن ذلك بأن قال { فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون } ومن قرأ بالتخفيف قال : معناه لا يلفونك كاذبا ، كما يقولون : سألته فما ابخلته ، وقاتلته فما أجبنته أي ما وجدته بخيلا ولا جبانا . وقال أبو عبد الله ( ع ) معنى { لا يكذبونك } لا يأتون بحق يبطلون به حقك . وقال الفراء : معنى التخفيف لا يجعلونك كذابا ، وانما يريدون أن ما جئت به باطل ، لانهم لم يفتروا عليك كذبا ، فيكذبوا لانهم لم يعرفوه ( صلى الله عليه وسلم ) وانما قالوا : ان ما جئت به باطل لا نعرفه من النبوة ، فأما التكذيب بأن يقال له كذبت ، وقال بعض اهل اللغة : هذا المعنى لا يجوز ، لانه لا يجوز أن يصدقوه ويكذبوا ما جاء به ، وهو ان الله ارسلني اليكم وأنزل عليَّ هذا الكتاب وهو كلام ربي . ومن قرأ بالتشديد احتمل وجوها : احدها - انهم لا يكذبونك بحجة يأتون بها أو برهان يدل على كذبك ، لان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) اذا كان صادقا فمحال أن يقوم على كذبه حجة ، ولم يرد أنهم لا يكذبونه سفها وجهلا به . والثاني - أنه اراد فانهم لا يكذبونك بل يكذبوني لان من كذب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقد كذب الله ، لان الله هو المصدق له كما يقول القائل لصاحبه : فلان ليس يكذبك ، وانما يكذبني دونك ، يريد ان تكذيبه اياك راجع الى تكذيبي ، لاني أنا المخبر لك وانت حاك عني . وثالثها - ان يكون اراد انهم لا ينسبونك الى الكذب لانك كنت معروفا عندهم بالامانة والصدق فانه ( صلى الله عليه وسلم ) كان يدعى فيهم الامين قبل الوحي ، وكان معروفا بينهم بذلك لكنهم لما أتيتهم بالآيات جحدوها بقصدهم التكذيب بآيات الله وجحدها لا لتكذيبك ، قال أبو طالب : @ ان ابن آمنة الامين محمدا @@ ورابعها - ان تكون الآية مخصوصة بقوم معاندين كانوا عارفين بصدقه ولكنهم يجحدونه عنادا وتمردا . وقال الحسن : معناه { نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون } انك ساحر وانك مجنون فانهم لا يكذبونك ، لان معرفة الله في قلوبهم بانه واحد { ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون } . وخامسها - قال الزجاج : لا يكذبونك ، لا يقدرون أن يقولوا لك فيما انبأت به بما في كتبهم كذبت . قال أبو علي : يجوز ان يكون المعنى - فيمن ثقل - قلت له كذبت ، مثل زنيَّته وفسَّقته اذا نسبته الى الزنا والفسق . و ( فعلت ) جاء على وجوه نحو خطأته أي نسبته الى الخطأ ، وسقيته ورعيته ، أي قلت له سقاك الله ورعاك ، وقد جاء في هذا المعنى أفعلته ، قالوا : أسقيته ، أي قلت له سقاك الله ، قال الشاعر : @ وأسقيته حتى كاد مما أبثه تكلمني أحجاره وملاعبه @@ فيجوز على هذا أن يكون معنى القراءتين واحدا ، وان اختلف اللفظان ، كما تقول : قللت وكثرت وأقللت وأكثرت بمعنى واحد حكاه سيبويه ، وقال الكميت : @ فطائفة قد اكفروني بحبكم وطائفة قالوا مسيىء ومذنب @@ وحكى الكسائي عن العرب أكذبت الرجل اذا أخبرت انه جاء بكذب ، وكذبته اذا اخبرت انه كذاب بقوله كذبته اذا اخبرت انه جاء بكذب ، كقولهم : اكفرته اذا نسبوه الى الكفر ، وكذبته اخبرته أنه كذاب مثل فسقته اذا اخبرت انه فاسق . وقوله { ولكن الظالمين } يعني هؤلاء الكفار { بآيات الله } يعني القرآن والمعجزات يجحدون ذلك بغير حجة ، سفها وجهلا وعنادا .