Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 44-45)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ ابن عامر وابو جعفر ، وورش { فتحنا } وفي الاعراف { لفتحنا } وفي الانبياء { فتحت } وفى القمر { ففتحنا أبواب السماء } بالتشديد فيهن ، وافقهم روح في الانبياء والقمر . والباقون بالتخفيف فيهن . ومن ثقل أراد التكثير ، ومن خفف أراد الفعل مرة واحدة . بين الله تعالى بهذه الآية ان هؤلاء الكفار لما لم ينتفعوا بالبأساء والضراء على ما اقتضت مصلحتهم ، ونسوها أي تركوها فصارت في حكم المنسى ابتليناهم بالتوسعة في الرزق ليرغبوا بذلك في نعيم الآخرة ، وينبهوا عليه ، فيطيعوا ويرجعوا عما هم عليه ، فلما لم ينجع ذلك فيهم ولم يرتدعوا عن الفرح بما أوتوا ، ولم يتَّعظوا ولم ينفعهم الزجر بالضراء والسراء ، ولا الترغيب بالتوسعة والرخاء احللنا بهم العقوبة بغتة أي مفاجأة من حيث لا يشعرون { فإذا هم مبلسون } . قال الزجاج : ( المبلس ) الشديد الحسرة و ( البائس ) الحزين . وقال البلخي : معنى مبلسون يعني : أذلة خاضعين . وقال الجبائي : معنى { مبلسون } آيسون ، وقال الفراء المبلس : المنقطع الحجة ، قال رؤبة : @ وحضرت يوم خميس الاخماس وفى الوجوه صفرة وابلاس @@ وقال مجاهد : الابلاس السكوت مع اكتآب . وقوله { كل شيء } المراد به التكثير دون العموم ، وهو مثل قوله { وأوتيت من كل شيء } وكقول القائل : أكلنا عنده كل شىء ورأينا منه كل خير ، وكما يقال هذا قول اهل العراق ، واهل الحجاز ، ويراد به قول اكثرهم . وقال تعالى : { ولقد أريناه آياتنا كلها } وكل ذلك يراد به الخصوص ، وموضوعه التكثير ، والتفخيم . واذا علمنا في الجملة بالعقل ان هذه الآيات مخصوصة ، فلا ينبغي ان يعتقد فيها تخصيص شىء بعينه ، وليس علينا اكثر من ان نعتقد أنهم اوتوا خيرا كثيرا ، وفتح عليهم أبواب أشياء كثيرة كانت متغلقة عليهم ، وليس يلزمنا اكثر من ذلك . فان قيل الذي يسبق الى القلوب غير ما تأولتم عليه وهو ان الله انما فتح عليهم أبواب كل شىء ليفرحوا ويمرحوا ليستحقوا العقاب . قلنا : الظاهر وان كان كذلك انصرفنا عنه بدليل ، كما انصرفنا عنه قوله : { الرحمن على العرش أستوى } وعن قوله { وجاء ربك } وعن قوله : { أأمنتم من في السماء } فكما يجب ان نترك ظاهر هذه الآيات وان كان ظاهرها التشبيه فكذلك ترك ما ظاهره يوجب اضافة القبيح اليه وينافى عدله ويعدل الى ما يليق بحكمته وعدله . وقوله { فقطع دابر القوم الذين ظلموا } معناه أخذهم الذي يدبرهم ويدبرهم ، لغتان - بضم الباء وكسرها - وهو الذي يكون في أعقابهم . وروي عن أبي عبد الله ( ع ) انه قال : من الناس من لا يأتي الصلاة إِلا دبريا - بضم الدال - يعني في آخر الوقت ، هذا قول اصحاب الحديث . وقال أبو زيد الا دبريا بفتح الدال والباء . ثم حمد الله تعالى نفسه بأن استأصل ساقتهم وقطع دابرهم بقوله { والحمد لله رب العالمين } لانه تعالى أرسل اليهم وانظرهم بعد كفرهم وأخذهم بالبأساء والضراء ، والنعمة والرخاء ، فبالغ في الانذار والامهال ، فهو محمود على كل حال .