Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 8-9)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اخبر الله تعالى في هذه الآية عن هؤلاء الكفار أنهم قالوا { لولا } ومعناه : هلا { أنزل عليه } يعنون على محمد { ملك } يشاهدونه فيصدقه . ثم أخبر عن عظم عنادهم انه لو أنزل عليهم الملك على ما اقترحوه لما آمنوا به ، واقتضت الحكمة استئصالهم وألا ينظرهم ولا يمهلهم . وذلك بخلاف ما علم الله تعالى من المصلحة على ما بيناه . ومعنى { لقضي الأمر } أي أتم إِهلاكهم وقضي على ضروب كلها ترجع الى معنى تمام الشىء وانقطاعه في قول الزجاج . فمنه { قضى أجلا وأجل مسمى عنده } معناه ثم ختم بذلك وأتمه ، ومنه الامر كقوله { وقضى ربك ألا تعبدوا إِلا اياه } الا أنه أمر قاطع ومنه الاعلام نحو قوله { وقضينا إلى بني إسرائيل } أي أعلمناهم إِعلاماً قاطعا . ومنه الفصل في الحكم نحو قوله { ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضى بينهم } أي لفصل الحكم بينهم . ومنه قولهم قضى القاضي . ومن ذلك قضى فلان دينه ، أي قطع ما لغريمه عليه وأداه اليه وقطع ما بينه وبينه وكلما أحكم فقد قضي ، تقول قضيت هذا الثوب وهذه الدار ، أي عملتها وأحكمت عملها ، قال أبو ذؤيب @ وعليهما مسرودتان قضاهما داود أو صنع السوابغ تبع @@ وقال مجاهد معنى { وقالوا لولا أنزل عليه ملك } يريدون في صورته . قال الله تعالى { ولو أنزلنا ملكا } في صورته { لقضي الأمر } أي لقامت الساعة أو وجب استئصالهم ثم قال { ولو جعلناه ملكا لجعلناه } في صورة رجل ، لان أبصار البشر لا تقدر على النظر الى صورة ملك على هيئته للطف الملك وقلة شعاع أبصارنا وكذلك كان جبرائيل ( ع ) يأتي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في صورة دحية الكلبي ، وكذلك الملائكة الذين دخلوا على ابراهيم في صورة الاضياف حتى قدم اليهم عجلا جسدا ، لانه لم يعلم أنهم ملائكة ، وكذلك لما تسور المحراب على داود الملكان كانا في صورة رجلين يختصمان اليه . وقال بعضهم : المعنى لو جعلنا مع النبي ملكا يشهد بتصديقه { لجعلناه رجلا } والاول أصح . وقوله { وللبسنا عليهم ما يلبسون } يقال : لبست الامر على القوم ألبسه اذا شبهته عليه ، ولبست الثوب البسه ، وكان رؤساء الكفار يلبسون على ضعفائهم أمر النبي ( ع ) ، فيقولون : هو بشر مثلكم ، فقال الله تعالى { ولو أنزلنا ملكا } فرأوا الملك رجلا ولم يعلمهم أنه ملك لكان يلحقهم من اللبس ما يلحق ضعفائهم منهم . واللبوس ما يلبس من الثياب واللباس الذي قد لبس واستعمل . فان قيل : قوله : انه لو جعل الملك رجلا للبس عليهم يدل على أن له أن يلبس بالاضلال والتلبيس ؟ قلنا : ليس ذلك في ظاهره ، لانه لم يخبر أنه لبس عليهم وانما قال لو جعلته ملكا للبست ولم يجعله ملكا فاذاً ما لبس ، كما قال تعالى { لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلق ما يشاء } وليس يجوز عليه اتخاذ الولد ولا الاصطفاء له بحال ، فسقط ما قالوه .