Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 91-91)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ ابن كثير وأبو عمرو { تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا } بالتاء فيهن . الباقون بالياء فيهن . ومن قرأ بالياء حمله على أنه للغيبة بدلالة قوله : { وما قدروا الله حق قدره إِذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى يجعلونه } فيحمله على الغيبة لان ما قبله غيبة . ومن قرأ بالتاء حمله على الخطاب يعني قل لهم : { تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا } ويقوي القراءة بالتاء ، قوله { وعلمتم ما لم تعلموا } فجاء على الخطاب ، وكذلك ما قبله . ومعنى { تجعلونه قراطيس } تجعلونه ذوي قراطيس اي تودعونه إِياها { وتخفون } أي تكتمونه ، وموضع قوله { تبدونها وتخفون كثيراً } يحتمل أمرين : احدهما - ان يكون صفة القراطيس ، لان النكرة توصف بالجمل . والآخر - أن نجعله حالا من ضمير الكتاب من قوله { تجعلونه قراطيس } على أن تجعل القراطيس الكتاب في المعنى ، لانه مكتوب فيها . روي أن سبب نزول هذه الآية أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) رأى حبراً من أحبار اليهود سمينا يقال له : مالك بن الضيف ، وقيل : فنحاص ، فقال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) " أليس في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين " ؟ فغضب ، وقال : ما أنزل الله على بشر من شيء ، فلعنته اليهود وتبرأت منه ، فنزلت هذه الآية ، ذكر ذلك عكرمة وقتادة ، وقال محمد بن كعب القرطي : نزلت في جماعة من اليهود . وروي مثل ذلك عن ابن عباس . وقال مجاهد نزلت في مشركي قريش ، وروي ذلك عن ابن عباس أيضا ، وهو أشبه بسياق الآية ، لانهم الذين أنكروا أن يكون الله أنزل كتابا على بشر ، دون اليهود والنصارى . ومعنى قوله { وما قدروا الله حق قدره } أي ما عرفوه حق معرفته وما وصفوه بما هو أهل أن يوصف به { إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء } أي ما أرسل الله رسولا ، ولم ينزل على بشر من شيء ، مع أن المصلحة والحكمة يقتضيان ذلك ، ودلت المعجزات الباهرة على بعثة كثير منهم . ثم أمر الله نبيه أن يقول لهم { من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس } فانهم يقرون بذلك ، وان الله أنزله وبعث موسى ( ع ) نبيا وإِن لم يقرُّوا بذلك فقد خرجوا من اليهودية الى قول من ينكر النبوات . والكلام على من انكر ذلك أصلا مذكور في النبوات مستوفى لا نطول بذكره ها هنا . وعلى ما قلناه : من أن الآية متوجهة الى مشركي قريش من حيث أن الله تعالى من أول السورة الى ها هنا في الاخبار عن أوصاف المشركين وعن أحوالهم وكذلك أول الآية في قوله { وما قدروا الله حق قدره } لأنهم كانوا لا يعتقدون التوحيد ويعبدون مع الله الاصنام ، وأهل الكتاب كانوا بخلاف ذلك ، لأنهم كانوا يعتقدون التوحيد فلا يليق بهم ذلك ، وإِن كان اليهود عندنا أيضا غير عارفين بالله على وجه يستحقون به الثواب . والقول الآخر أيضا محتمل . فعلى ما اخترنا يكون قوله { قل من أنزل الكتاب } متوجها الى اليهود والنصارى ، لأنهم المقرون بذلك دون قريش ومشركى العرب ، ويجوز أن يكون متناولا للمشركين أيضا ، ويكون على وجه الاحتجاج عليهم ، والتنبيه لهم على ما ظهر من معجزات موسى وظهور نبوته ، وهذا الذي اخترناه قول مجاهد واختاره الطبري والجبائي . وقوله { تجعلونه قراطيس } أي تقطعونه فتجعلونه كتبا متفرقة وصحفا تبدون بعضها وتخفون بعضها ، يعني ما في الكتب من صفات النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والبشارة به . ثم عطف على ما ابتدأ به من وصف الكتاب الذي جاء به موسى وانه نور وهدى ، فقال { وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم } على لسان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، ثم أجاب عن الكلام الاول ، فقال { قل الله } وهذا معروف في كلام العرب ، لان الانسان اذا أراد البيان والاحتجاج بما يعلم أن الخصم مقرٌّ به ولا يستطيع دفعه ذكر ذلك . ثم تولى الجواب عنه بما قد علم أن لا جواب له غيره . وقوله { ثم ذرهم في خوضهم يلعبون } يقال مثل هذا لمن قامت عليه الحجة الواضحة التي لا يمكنه دفعها ، وليس على إِباحة ترك الدعاء والانذار بل على ضرب من الوعيد والتهديد ، كأنه قال دعهم فسيعلمون عاقبة أمرهم . ويجوز أن يكون أراد : دعهم فلا تقاتلهم ، ولا تعمل على قهرهم على قبول قولك الى أن يؤذن لك في ذلك ، فيكون إِنما أباح ترك قتالهم لا ترك الدعاء والتحذير وترك البيان والاحتجاج " ويلعبون " رفعه لانه لم يجعله جوابا لقوله { ذرهم } ولو جعله جوابا لجزمه ، كما قال { ذرهم يأكلوا ويتمتعوا } وكان ذلك جوابا وموضع { يلعبون } نصب على الحال ، وتقديره ذرهم لاعبين في خوضهم . وقال قوم : إِن هذه الآية مدنية مع الآيتين اللتين ذكرناهما في أول السورة ، ويجوز أن يكون ذلك بمكة أيضاً .