Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 65, Ayat: 6-10)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

خمس آيات فى الكوفي والبصرى والمدني الأخير : وست آيات فى المدني الاول . عدّوا { يا أولي الألباب } رأس آية . قرأ { من وجدكم } بكسر الواو ، روح . الباقون بضمها ، و هما لغتان . وحكى الفراء - فتح الواو - لغة ولم يحك الكسر . وحكى الزجاج : الكسرة ولم يحك بالفتحة . وقرأ ابن كثير { وكأين } خفيفة على وزن { كاهن } الباقون { كأين } مشددة الياء ، والأصل ( أى ) إلا انه حذف للتضعيف ، كما يحذف من رب ، وقدمت الياء وأخرت الهمزة نحو شاك وشائك . ثم قلبت الياء ألفاً ، لانها فى موضع حركة وقبلها فتحة نحو : رمي ، وإنما احتمل هذا التغيير للعدول به عن معنى الاستفهام إلى معنى { كم } فى التكثير على وجه الابهام . وقال قوم : فى { كأين } لغتان { كأين } مشددة الياء و ( كاين ) على وزن ( قايل ) وقد قرأ بهما . وحكي ان أهل الحجاز يقولون : بكاين تبيع هذا الثوب . أي بكم تبيعه . يقول : الله تعالى مخاطباً لمن طلق زوجته يأمره أن يسكنها حيث يسكنه ، وقد بينا أن السكنى والنفقة يجب للرجعية بلا خلاف . فاما البائنة فلا سكنى لها ولا نفقة - عندنا - وهذا مذهب الحسن . وقد روت فاطمة بنت قيس عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال : " لا نفقة للمبتوتة " وقال الشافعي ومالك لها السكنى والنفقة وهو قول معاوية وابن مسعود وعمر بن الخطاب . وقوله { من وجدكم } قال السدي معناه من ملككم . وقال ابن زيد : هو إذا قال صاحب المسكن لا أترك هذه فى بيتي فليس من وجده . ويجوز له حينئذ أن ينقلها إلى غيره ، والوجد ملك ما يجده المالك ، وذلك أنه قد يملك المالك ما يغيب عنه . وقد يملك ما هو حاضر له ، فذلك وجده ، يقال : وجدت فى المال وجداً ووجدة ، ووجدت الضالة وجداناً ، ووجدت الرجل صالحاً وجوداً . وقوله { ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن } معناه لا تدخلوا الضرر عليهن بالتقصير فى النفقة والسكنى والكسوة وحسن العشرة لتضيقوا عليهن فى السكنى والنفقة ، وأمر بالسعة . والمضارة المعاملة بما يطلب به ايقاع الضرر والمضارة المعاملة بما يطلب به إيقاع الضرر بصاحبه . وقد تكون المضارة من واحد كما يقال : طارقت النعل ، وعافاه الله ، ويمكن أن يكون من كل واحد منهما لصاحبه . والتضيق تقليل ما يحتاج إلى التصرف فيه عن مقدار الكفاية . وقد يكون التضييق فى الرزق وفى المكان وفى الأمر . و { إن كنّ } يعني النساء المطلقات { أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } أمر من الله تعالى بالانفاق على الحامل المطلقة سواء كانت رجعية او مبتوتة ، ولا خلاف فى ذلك ، وإنما يجب ان ينفق عليها بسبب ما فى بطنها ، وإنما تسقط نفقتها بالوضع . والحمل - بفتح الحاء - يكون على الظهر وفى البطن ، ويقال للعدل - الحمل - بكسر الحاء . وقوله { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } أمر من الله تعالى بأن الأم المطلقة متى ولدت ورغبت فى رضاع ولدها ، كان على الأب أجرة الرضاع أجرة المثل ، فان رضيت الاجنبية بشيء معلوم لاجرة الرضاع ورضيت بمثله الأم كانت الأم أولى ، وإن لم ترض الأم بذلك القدر كان للأب تسليمه الى الاجنبية ، وان كان الولد لا يقبل إلا لبن الأم أجبرت عليه . وإلا أدّى الى هلاك الولد . والرضاع سقي المرأة من لبنها للولد . ومنه قول النبي صلى الله عليه وآله " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " يعني ان المرضعة تصير بمنزلة الام ، وأمها بمنزلة الجدة واختها خالة ، وبنتها اختاً وابنها اخاً ، وهكذا سائر المحرمات . وقوله { واتمروا بينكم بمعروف } فالائتمار أمر كل واحد لصاحبه بفعل من الافعال كالائتمار بالمعروف الذي يصطلحان عليه . وقوله { وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى } خطاب للرجل ولزوجته المطلقة أنهما متى اختلفا فى رضاع الصبي واجرته أرضعته امرأة اخرى فالتعاسر التمانع يتعذر من الأمر كالتمانع بما يتعسر به رضاع الام ، فمتى كان كذلك فالحكم فيه أن ترضعه امرأة اخرى ثم امر تعالى فقال { لينفق ذو سعة من سعته … } ومعناه ان كل انسان يجب عليه النفقة بحسب حاله فالغنى ينبغي ان يوسع فى النفقة والفقير بحسب حاله . وقوله { ومن قدر عليه زرقه } معناه من ضيق عليه ، لأنه أتى على مقدار البلغة التي تضيق عن غيره ، فمن هذه صورته { فلينفق مما آتاه الله } على حسب امكانه وطاقته { لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها } يعني إلا بقدر ما أعطاها من الطاقة . وفي ذلك دلالة على انه تعالى لا يكلف أحداً ما لا يقدر عليه ولا يطيفه . ثم قال { سيجعل الله بعد عسر يسراً } أي سيفعل الله بعد شدّة سهولة ، فاليسر اتيان الأمر من غير مشقة ، وهو سهولة الأمر ، وضده العسر ، وهو صعوبة الأمر . وقوله { وكأين من قرية } معناه و { كم من قرية } على التكثير ، لانه يخبر بـ { كم } عن الكثرة { عتت عن أمر ربها } والعتو الخروج إلى فاحش الفساد . والمعنى كم من أهل القرية كفروا بالله وتجبروا عن طاعته وخرجوا بذلك الى افحش الفساد { ورسله } معناه عتوا عن امر الله وامر رسوله { فحاسبناها حساباً شديداً } فالحساب الاعمال مقابلة ما يستحق على الطاعة وبما يستحق على المعصية والحساب الشديد مقابلة ذلك من غير تجاوز عن صغيرة ولا عفو عن ذنب ، وذلك أن الكافر يعاقب على كل صغيرة وكبيرة من حيث انه لا طاعة معه تكفر معاصيه . وقوله { وعذبناها عذاباً نكراً } معناه عذبنا أهل تلك القرية العاتية عذاباً نكراً ، وهو الذي ينكره الطبع وتأباه النفوس لصعوبته وشدته . والأمر النكر الذي ينكره العقل . وقوله { فذاقت وبال أمرها } فالوبال عاقبة السوء ، أسند الفعل الى القرية ، فلذلك أنث قوله { فذاقت } ولو قال : { عتوا ، عن أمر ربهم ، وعذبناهم فذاقوا } على المعنى كان جائزاً . والوبال ثقل العائد من الضر . وقيل : ان معنى نكر أنه متجاوز في الشدة لكل ما عرفوه فى الدنيا من العقوبة { وكان عاقبة أمرها حسراً } أي وكان آخر أمر تلك القرية العاتية خسراً أي هلاك أنفسهم ، وأصله هلاك رأس المال . ثم بين ما لهم في الآخرة ، فقال { أعد الله لهم عذاباً شديداً } من عذاب النار يعاقبهم به على طريق التأبيد موجعاً شديد الألم { فاتقوا الله } يا معاشر العقلاء { يا أولوا الألباب الذين آمنوا } يعني المؤمنين منهم ، وخصهم بالذكر والخطاب ، لانهم المنتفعون بذلك دون الكفار . وقوله تعالى { قد أنزل الله إليكم ذكراً } قال قوم : أراد بالذكر القرآن لانه سماه ذكراً في قوله { إنا نحن نزلنا الذكر } ذهب اليه السدي وابن زيد ، فعلى هذا تقديره انزل الله اليكم ذكراً وارسل اليكم رسولا ، وسماه ذكراً لانه يتذكر به ما يجب العمل به والانتهاء عنه . وقيل إن معنى الذكر الشرف كأنه قال : أنزل الله اليكم شرفاً . وقيل : المراد بالذكر الرسول لقوله { فاسألوا أهل الذكر } ذهب اليه الحسن ، فعلى هذا يكون { رسولا } بدلا منه ، وتقديره أنزل الله اليكم ذكراً هو رسوله . قال الزجاج : تقديره فأنزل الله اليك ان ذكر رسولا هو جبرائيل عليه السلام .