Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 12-12)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا حكاية لما كان من خطاب الله لابليس حين امتنع من السجود لادم ، انه قال له { ما منعك } بمعنى اي شيء منعك { أن لا تسجد } وفيه ثلاثة أقوال : احدها - ان تكون ( لا ) صلة مؤكدة ، كما قال { لئلا يعلم أهل الكتاب } ومعناه ليعلم ، كقوله { لا أقسم بيوم القيامة } وكقوله { فلا أقسم بمواقع النجوم } وكما قال الشاعر : @ أبى جوده لا البخل واستعجلت به نعم من فتى لا يمنع الجود قاتله @@ معناه أبى جوده البخل ، وروى أبو عمرو بن العلا : أبى جوده لا البخل بالجر ، كأنه قال ابى جوده كلمة البخل ، ورواه كذا عن العرب . وقال الزجاج : فيه وجه ثالث لا البخل على النصب بدلا من ( لا ) كأنه قال ابى جوده ان يقول ( لا ) فقال نعم . وهي حكاية في كل هذا . الثاني - انه دخله معنى ما دعاك ان لا تسجد . الثالث - معنى { ألا تسجد } ما الحال ان لا تسجد أو ما أحوجك . وقال الفراء لما تقدم الجحد في اول الكلام أكد بهذا ، كما قال الشاعر : @ ما ان رأينا مثلهن لمعشر سود الرؤوس فوالج وفيول @@ فـ ( ما ) للنفي و ( ان ) للنفي فجمع بينهما تأكيدا . فان قيل كيف قال { ما منعك } ولم يكن ممنوعا ؟ ! قلنا : لان الصارف عن الشىء بمنزلة المانع منه ، كما ان الداعي اليه بمنزلة الحامل عليه . وقوله { أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين } حكاية لجواب ابليس حين ذمه تعالى على الامتناع من السجود ، فأجاب بما قال ، وهذا الجواب غير مطابق لانه كان يجب أن يقول معنى كذا ، لان قوله { أنا خير منه } جواب لمن يقول أيكما خير ، ولكن فيه معنى الجواب ، ويجري ذلك مجرى أن يقول القائل لغيره : كيف كنت ، فيقول أنا صالح ، وكان يجب أن يقول كنت صالحاً لكنه جاز ذلك ، لأنه أفاد انه صالح في الحال مع ما كان صالحاً فيما مضى . ووجه دخول الشبهة عليه في أنه خلقه من نار وخلق آدم من طين أنه ظن أن النار اذا كانت أشرف لم يجز أن يسجد الأشرف للأدون ، وهذا خطأ ، لأن ذلك تابع لما يعلم الله من مصالح العباد ، وما يتعلق به من اللطف لهم ، ولم يكن ذلك استخفافاً بهم بالاعمال . وقد قال الجبائي : إِن الطين خير من النار ، لأنها أكثر منفعة للخلق من حيث أن الأرض مستقر الخلق وفيها معايشهم ، ومنها تخرج أنواع أرزاقهم لان الخيرية في الأرض أو النار ، إِنما يراد بهما كثرة المنافع ، دون كثرة الثواب ، لان الثواب لا يكون إِلا للمكلف المأمور ، وهذان جمادان . وعلى ما يذهب اليه أصحابنا أن ذلك يدل على تفضيل آدم على الملائكة وكان ذلك مستحقاً ، فلذلك أسجد الله الملائكة له . فإِن قيل : لم اعترض إِبليس على الله مع علمه أنه لا يفعل إِلا الحكمة ؟ قلنا عنه جوابان : أحدهما - أنه اعترض كما يعترض السفيه على الحكيم الحليم في تدبيره من غير فكر في العاقبة . والثاني - أن يكون جهل هذا بشبهة دخلت عليه . وعلى ما نذهب اليه من أنه لم يكن عرف الله قط سقطت الشبهة . واستدل أيضا بهذه الآية على أن الجواهر متماثلة بأن قيل : لا شىء أبعد الى الحيوان من الجماد ، فاذا جاز أن ينقلب الطين حيواناً وإِنساناً جاز أن ينقلب الى كل حال من أحوال الجواهر ، لأنه لا فرق بينهما في العقل . واستدل أيضا بهذه الآية على أن الأمر من الله يقتضي الايجاب بأن الله تعالى ذم إِبليس على امتناعه من السجود حين أمره ، فلو كان الأمر يقتضي الندب لما استحق العيب بالمخالفة وترك الامتثال ، والامر بخلاف ذلك في الآية .