Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 146-146)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ حمزة والكسائي وخلف { الرشد } بفتح الراء والشين . الباقون بضم الراء وسكون الشين . وفرق بينهما أبو عمرو بن العلاء ، فقال : الرشد - بضم الراء - الصلاح ، كقوله { فإِن آنستم منهم رشداً } أي صلاحاً ، لدفعه اليهم ، والرشد الاستقامة في الدين ، كقوله { على أن تعلمني مما علمت رشدا } وقال الكسائي : هما لغتان بمعنى واحد ، مثل الحزْن والحزَن ، والسِقم والسَقم ، والرشد سلوك طريق الحق تقول : رشُد يرشد رشداً ، ورشِد يرشد رشدا ، وارشده ارشادا ، واسترشد أسترشادا ، وضده الغي : غوي يغوى غياً وغواية ، وأغواه إِغواء ، واستغواه استغواء . وقال الجبائي والرماني : معنا { سأصرف عن آياتي } أي سأصرف عن أياتي من العز والكرامة بالدلالة التي كسبت الرفعة في الدنيا والآخرة ، ويجوز ان يكون معناه أي احكم عليهم بالانصراف واسميهم بأنهم منصرفون عنها ، لانهم قد انصرفوا عنها ، كما قال { ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم } ويحتمل أن يكون المراد اني سأصرفهم عن التوراة والقرآن ، وما أوحى الله من كتبه بمعنى امنعهم من إِفساده وتغييره وإِبطاله ، لأنه قال في أوَّل الآية { وكتبنا له في الألواح } الى قوله تعالى { سأصرف عن آياتي } ويجوز ان يكون المراد { سأريهم آياتي } فينصرفون عنها وهم الذين يتكبرون في الارض بغير الحق ، كما يقول القائل : سأحير فلانا أي اسأله عن شيء فيتحير عند مسألتي ، وسأنجل فلانا أي أسأله ما ينجل عنده ، وكذلك يقال : سأقطع فلانا بكلامي ، والمراد انه سينقطع عند كلامي ، وكل ذلك واضح بحمد الله . ويجوز أن يكون المراد انهم لما عاندوا وتمردوا بعد لزوم الحجة عليهم وحضروا للتلبيس والشغب على ما حكاه الله عنهم انهم قالوا { لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه } صرفهم الله بلطفه عن الحضور كما كانوا يحضرونه ، ويحتمل أن يكون المراد سأصرف عن جزاء آياتي . ومن زعم انه بمعنى سأصرف عن الايمان بآياتي فقد أخطأ ، لانه تعالى لا يأمر بالايمان ثم يمنع منه ، لان حكمته تمنع من ذلك . والصرف نقل الشيء الى خلاف جهته ، يقال : صرفه يصرفه صرفا ، وصرَّفه تصريفا ، وتصرف تصرفا ، وصارفه مصارفة ، انصرف انصرافا . وقوله تعالى { الذين يتكبرون في الأرض } والتكبر اظهار كبر النفس على غيرها ، وصفة متكبر صفة ذم في جميع البشر ، وهو مدح في صفات الله تعالى ، لانه يستحق اظهار الكبر على كل شيء سواه ، لان ذلك حق ، وهذا المعنى في صفة غيره باطل ، فمعنى الآية الاخبار من الله انه يصرف عن ثواب آياته { الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإِن يروا كل آية لا يؤمنوا بها } يعني الذين اذا شاهدوا الحجج والبراهين لا ينقادون لها ، ولا يصدِّقون بها { وإِن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا } ومعناه انهم متى رأوا سبيل الصلاح عدلوا عنه ، ولم يتخذوه طريقا لهم بمعنى انهم لا يعملون بذلك { وإِن يروا سبيل الغي . . } يعني وان يروا ضد الرشد من الكفر والضلال سلكوه وارتكبوا معصية الله في ذلك . وقوله تعالى { ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا } يحتمل ذلك أن يكون في موضع رفع أي امرهم ذلك ، ويحتمل ان يكون نصبا أي فعلنا بهم ذلك ، لانهم تكبروا وكذبوا ، ومعناه : أفعل ذلك بهم ، يعني صرفي لهم عن ثواب الآيات الجزيل والمنزلة الجليلة . ومن قال من المجبرة : ان الله تعالى يصرفه عن الايمان قوله باطل ، لانه تعالى لا يجوز ان يصرف احدا عن الايمان ، لانه لو صرفه عنه ثم أمره به لكان كلفه ما لا يطيقه ، وذلك لا يجوز عليه تعالى . وأيضا فان الله تعالى بين انه يصرفهم عن ذلك في المستقبل ، جزاء لهم على كفرهم الذي كفروا ، فكيف يكون ذلك صرفا عن الايمان ! وقيل : إِن معنى الآية أي سأصرف عن آياتي ، ولا أظهرها لهم كما أظهرتها للمؤمنين ، ويريد بذلك المعجزات الباهرات ، لعلمي بأن إِظهارها مفسدة لهم يزدادون عندها كفرا ، تبين ذلك في قوله تعالى { وإِن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإِن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا } . وقيل : معناه سأصرف عن إِبطالها والطعن فيها بما أظهره من حججها ، كما يقال : سأمنعك من فلان أي من أذاه ، ذكره البلخي .