Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 172-173)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ ابن كثير وأهل الكوفة { ذريتهم } على التوحيد . الباقون ذرياتهم على الجمع . وقرأ ابو عمرو " وأن يقولوا ، أو يقولوا " بالياء فيهما . الباقون بالتاء . و ( الذرية ) قد يكون جمعاً نحو قوله تعالى { وكنا ذرية من بعدهم } وقوله تعالى { ذرية من حملنا مع نوح } وقد يكون واحداً كقوله : { هب لي من لدنك ذرية طيبة … فنادته الملائكة … أن الله يبشرك بيحيى } فهو مثل قوله : { فهب لي من لدنك ولياً يرثني } فقال الله : { يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى } فمن أفرد جعله اسماً واستغنى عن جمعه بوقوعه على الجمع . ومن جمع قال : لانه إن كان واقعاً على الواحد فلا شك في جواز جمعه وإن كان جمعاً فجمعه أيضاً حسن ، لأنه قد وردت الجموع المكسرة وقد جمعت نحو الطرقات وصواحبات يوسف . وحجة من أفرد قال : لا يقع على الواحد والجميع . فأما وزن { ذرية } فانه يجوز أن تكون ( فعلولة ) من الذر ، فابدلت من الراء التي هي لام الفعل الأخيرة ياء كما أبدلت من دهرية ، يدلك على البدل فيه قولهم : دهرورة ، ويحتمل ان تكون فعلية منه فأبدلت من الراء الياء ، كما تبدل من هذه الحروف في التضعيف وإن وقع فيها الفصل . ويحتمل أن تكون ( فعليه ) نسبة إلى الذر وأبدلت الفتحة منها ضمة كما أبدلوا في الاضافة إلى الدهر دهري والى سهل سهلي ويجوز أن تكون ( فعلية ) من ذرأ الله الخلق ، أجمعوا على تخفيفها كما أجمعوا على تخفيف البرّية . ويجوز ان تكون من قوله { تذروه الرياح } ابدلت من الواو الياء لوقوع ياء قبلها . وحجة أبي عمرو في قراءته بالياء ان ما تقدم ذكره من الغيبة وهو قوله عز وجل { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم } كراهية أن يقولوا أو لئلا يقول ، ويؤكد ذلك ما جاء بعد من الاخبار عن الغيبة وهو قوله : { قالوا بلى } . وحجة من قرأ بالتاء انه قد جرى في الكلام خطاب وهو قوله { ألست بربكم قالوا بلى شهدنا } وكلا الوجهين حسن لأن الغيب هم المخاطبون في المعنى . وهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وآله قال الله تعالى له : واذكر أيضاً الوقت الذي اخذ الله فيه من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم ؟ . واختلفوا في معنى هذا الأخذ فيه وهذا الاشهاد : فقال البلخي والرماني اراد بذلك البالغين من بني آدم واخراجه اياهم ذرية قرناً بعد قرن وعصراً بعد عصر واشهاده إياهم على انفسهم تبليغه إياهم وإكماله عقولهم ، وما نصب فيها من الأدلة الدالة بأنهم مصنوعون وان المصنوع لا بد له من صانع ، وبما اشهدهم مما يحدث فيهم من الزيادة والنقصان والآلام والأمراض الدال بجميع ذلك على ان لهم خالقاً رازقاً تجب معرفته والقيام بشكره ، وما اخطر بقلوبهم من تأكيد ذلك والحث على الفكر فيه ، ثم إرساله الرسل وإنزاله الكتب ، لئلا يقولوا إذا صاروا إلى العذاب : إنا كنا عن هذا غافلين ، لم ينبه علينا ولم تقم لنا حجة عليه ولم تكمل عقولنا فنفكر فيه ، او يقول قوم منهم : إنما أشرك آباؤنا حين بلغوا وعقلوا فأما نحن فكنا أطفالا لا نعقل ولا نصلح للفكر والنظر والتدبير . وقال الجبائي : أخذه ذرياتهم من ظهورهم انه خلقهم نطفاً من ظهور الآباء ، ثم خلقهم في ارحام الامهات ، ثم نقلهم من خلقة إلى خلقة ، وصورة إلى صورة ، ثم صاروا حيواناً بأن احياهم الله في الأرحام ، واتم خلقهم ، ثم اخرجهم من الارحام بالولادة وقوله تعالى : { وأشهدهم على أنفسهم } يعني عند البلوغ وكمال العقل وعندما عرفوا ربهم فقال لهم على لسان بعض انبيائه { ألست بربكم } ؟ فقالوا : بلى شهدنا بذلك واقررنا به لأنهم كانوا بالله عارفين انه ربهم . وقوله تعالى { أن تقولوا … إنا كنا عن هذا غافلين } معناه لئلا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين فأراد بذلك اني انا قررتكم بهذا لتواظبوا على طاعتي وتشكروا نعمتي ولا تقولوا يوم القيامة : إنا كنا عن هذا غافلين . وقوله تعالى { أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم } فنشأنا على شركهم فتحنجوا يوم القيامة بذلك ، فبين انى قد قطعت بذلك حجتكم هذه بما قررتكم به من معرفتي واشهدتكم على انفسكم باقراركم وبمعرفتكم إياي . وقوله { أفتهلكنا بما فعل المبطلون } من آبائنا . وهذا يدل على انها مخصوصة في قوم من بني آدم وانها ليست في جميعهم ، لأن جميع بني آدم لم يؤخذوا من ظهور بني آدم لان ولد آدم لصلبه لا يجوز ان يقال : إنهم اخذوا من ظهور بني آدم فقد خرج ولد آدم لصلبه من ذلك وخرج ايضاً اولاد المؤمنين من ولد آدم الذين لم يكن آباؤهم مشركين ، لانه بين ان هؤلاء الذين اقروا بمعرفة الله واخذ ميثاقهم بذلك كان قد سلف لهم في الشرك آباء . فصح بذلك انهم قوم مخصوصون من اولاد آدم . فأما ما روي ان الله تعالى اخرج ذرية آدم من ظهره واشهدهم على انفسم وهم كالذر ، فان ذلك غير جائز لان الاطفال فضلا عمن هو كالذر لا حجة عليهم ، ولا يحسن خطابهم بما يتعلق بالتكليف ، ثم ان الآية تدل على خلاف ما قالوه . لأن الله تعالى قال { وإذ أخذ ربك من بني آدم } وقال { من ظهورهم } ولم يقل من ظهره . وقال { ذريتهم } ولم يقل ذريته ، ثم قال { أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون } فأخبر ان هذه الذرية قد كان قبلهم آباء مبطلون وكانوا هم بعدهم . على ان راوي هذا الخبر سليمان بن بشار الجهني ، وقيل مسلم بن بشار عن عمر بن الخطاب وقال يحيى بن معين : سليمان هذا لا يدري اين هو . وايضاً فتعليل الآية يفسد ما قالوه . لأنه قال : فعلت هذا لئلا يقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين والعقلاء اليوم في دار الدنيا عن ذلك غافلون . فان قيل نسوا ذلك لطول العهد او لأن الزمان كان قصيراً كما يعلم الواحد منا اشياء كثيرة ضرورة ثم ينساها كما ينسى ما فعله في امسه وما مضى من عمره . قلنا : إنما يجوز ان ينسى ما لا يتكرر العلم به ولا يشتد الاهتمام به ، فأما الامور العظيمة الخارقة للعادة ، فلا يجوز ان ينساها العاقل . الا ترى ان الواحد منا لو دخل بلاد الزنج وراى الأفيلة ولو يوماً واحداً من الدهر لا يجوز ان ينسى ذلك حتى لا يذكره اصلا مع شدة اجتهاده واستذكاره ؟ ! ولو جاز ان ينساه واحد لما جاز ان ينساه الخلق بأجمعهم . ولو جوزنا ذلك للزمنا مذهب التناسخ وان الله كان قد كلف الخلق فيما مضى واعادهم ، إما لينعمهم او ليعاقبهم . ونسوا ذلك . وذلك يؤدي إلى التجاهل . على ان أهل الآخرة يذكرون ما كان منهم من احوال الدنيا ولم يجب ان ينسوا ذلك لطول العهد ، ولا المدة التي مرت عليهم وهم اموات وكذلك اصحاب الكهف لم ينسوا ما كانوا فيه قبل نومهم لما انتبهوا مع طول المدة في حال نومهم ، فعلمنا ان هؤلاء العقلاء لما كانوا شاهدوا ذلك وحضروه وهم عقلاء لما جاز ان يذهب عنهم معرفة ذلك لطول العهد ، ولوجب أن يكونوا كذلك عارفين . وقال قوم وهو المروي في أخبارنا إنه لا يمنع ان يكون ذلك مختصاً بقوم خلقهم الله وأشهدهم على أنفسهم بعد ان أكمل عقولهم واجابوه بـ { بلى } ، وهم اليوم يذكرونه ولا يغفلون عنه ، ولا يكون ذلك عاماً في جميع العقلاء وهذا وجه ايضاً قريب يحتمله الكلام . وحكى أبو الهذيل في كتابة الحجة : أن الحسن البصري واصحابه كانوا يذهبون إلى ان نعيم الاطفال في الجنة ثواب عن إيمانهم في الذر . وحكى الرماني عن كعب الاحبار : انه كان يخبر خبر الذر غير انه يقول ليس تأويل الآية على ذلك . وإنما فعل ليجروا على الاعراف الكريمة في شكر النعمة والاقرار لله بالوحدانية ، كما روي انهم ولدوا على الفطرة . ويدل على فساد قولهم قوله تعالى { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً } فهم لو كانوا أخرجوا من ظهر آدم على صورة الذر كانوا بعد من ان يعلموا او يعقلوا ومتى قالوا أكمل الله عقولهم فقد مضى الكلام عليهم . وذكر الأزهري وروي ذلك عن بعض من تقدم ان قوله : { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى } تمام الكلام . وقوله { شهدنا أن تقولوا يوم القيامة } حكاية عن قول الملائكة انهم يقولون شهدنا لئلا تقولوا . وهذا خلاف الظاهر وخلاف ما عليه جميع المفسرين لأن الكل قالوا { شهدنا } من قول من قال { بلى } وان اختلفوا في كيفية الشهادة على ان الملائكة لم يجر لها ذكر ، فكيف يكون ذلك إخباراً عنهم .