Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 1-2)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قد بينا في أول سورة البقرة اختلاف المفسرين في أوائل السور بالحروف المقطعة ، وقلنا : ان الاقوى من ذلك قول من قال : انها أسماء للسور ، وهو قول الحسن والبلخي والجبائي ، واكثر المحصلين . وروي عن ابن عباس أنه قال : هي اختصار من كلام لا يفهمه الا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال الشاعر : @ فادوهم أن الجموا ألا تا قالوا جميعا كلهم ألافا @@ يريد ألا تركبون قالوا فاركبوا . وبني قوله { المص } على السكون في الوصل مع ان قبله ساكنا ، لان حروف الهجاء توصل على نية الوقف ، لانه يجزي على تفصيل الحروف ، للفرق بينها وبين ما وصل للمعاني ، وكأن مجموع الحروف يدل على معنى واحد ، ومتى سميت رجلا بـ ( المص ) ، وجبت الحكاية . فان سميته بـ ( صاد ) أو ( قاف ) لم يجب ذلك ، لان صاد ، وقاف ، لهما نظير في الاسماء المفردة ، مثل ، باب ، وناب ، ونار . وليس كذلك ( المص ) لانه بمنزلة الجملة ، وليس له نظير في المفرد . وانما عد الكوفيون { المص } آية ، ولم يعدوا ( ص ) لان { المص } بمنزلة الجملة مع ان آخره على ثلاثة أحرف بمنزلة المردف ، فلما اجتمع هذان السببان ، وكل واحد منهما يقتضي عدَّه عدوه . ولم يعدوا ( المر ) لان آخره لا يشبه المردف . ولم يعدوا ( ص ) لانه بمنزلة اسم مفرد ، وكذلك ( ق ) و ( ن ) . وانما سميت السورة بالحروف المعجمة ، ولم تسم بالاسماء المنقولة لتضمنها معاني أخرى مضافة الى التسمية ، وهو أنها فاتحة لما هو منها ، وأنها فاصلة بينها وبين ما قبلها ، ولانه يأتي من التأليف بعدها ما هو معجز مع انه تأليف كتأليفها ، فهذه المعاني من أسرارها . وقيل في موضع ( المص ) من الاعراب قولان : اولهما - انه رفع بالابتداء وخبره كتاب ، او ان يكون على هذه ( المص ) في قول الفراء . الثاني - لا موضع له ، لانه في موضع جملة على قول ابن عباس ، كأنه قال : أنا الله أعلم وافصل - اختاره الزجاج . وقوله { كتاب أنزل إليك } قيل في العامل في قوله { كتاب } ثلاثة أقوال : أحدها - هذا كتاب ، فحذف لانها حال اشارة وتنبيه . الثاني - { المص كتاب } على أنه اسم للسورة وكتاب خبره . وقال الفراء : رفعه بحروف الهجاء ، لانها قبله ، كأنك قلت الالف واللام والميم والصاد ، من الحروف المقطعة كتاب أنزل اليك مجموعا ، فنابت ( المص ) عن جميع حروف المعجم ، كما تقول : أ ، ب ، ت ، ث ثمانية وعشرون حرفا . وكذلك تقول قرأت الحمد ، فصار اسما لفاتحة الكتاب . وقوله { فلا يكن في صدرك حرج } يحتمل دخول الفاء وجهين : احدهما - أن يكون عطفا وتقديره اذا كان أنزل اليك لتنذر به ، فلا يكن في صدرك حرج منه ، فيكون محمولا على معنى اذا . والثاني - ان النهي وان كان متناولا للحرج ، فالمعني به المخاطب ، نهي عن التعرض للحرج ، وجاز ذلك لظهور المعنى ان الحرج لا ينهى ، وكان مخرج له برده الى نهي المخاطب ابلغ ، لما فيه من أن الحرج لو كان مما ينهي له لنهيناه عنك ، فأنته انت عنه بترك التعرض له . وقيل في معنى الحرج في الآية ثلاثة أقوال : قال الحسن : معناه الضيق أي لا يضيق صدرك لتشعب الفكر بك خوفا ألا تقوم ، بحقه ، وانما أنزل اليك لتنذر به . الثاني - قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي : ان معناه الشك ها هنا والمعنى لا تشك فيما يلزمك له فانما أنزل اليك لتنذر به . الثالث - قال الفراء : لا يضيق صدرك بأن يكذبوك ، كما قال - عزَّ وجلَّ - { فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا } . وقوله { لتنذر به } يعني لتخوف بالقرآن . وقال الفراء والزجاج واكثر أهل العلم : هو على التقديم والتأخير ، وتقديره أنزل اليك لتنذر به وذكرى للمؤمنين ، والذكرى مصدر ذكر يذكر تذكيرا ، فالذكرى اسم للتذكير وفيه مبالغة ، ومثله الرجعى ، وقيل في موضعه ثلاثة أقوال : أولها - النصب على أنزل ، للانذار وذكرى ، كما تقول جئتك للاحسان وشوقا اليك . الثاني - الرفع بتقدير وهو ذكرى . الثالث - قال الزجاج : يجوز فيه الجر ، لان المعنى ، لان تنذر وذكرى . قال الرماني : هذا ضعيف ، لانه لا يجوز ان يحمل الجر على التأويل ، كما لا يجوز مررت به وزيد .