Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 71, Ayat: 15-20)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الله تعالى مخاطباً لخلقه المكلفين ، ومنبهاً لهم على توحيده وإخلاص عبادته { ألم تروا } ومعناه ألم تعلموا { كيف خلق الله سبع سماوات } أي اخترع سبع سموات { طباقاً } أي واحدة فوق الأخرى فالطباق مصدر طابقت مطابقة وطباقاً . والطباق منزلة فوق منزلة . ونصب { طباقاً } على احد وجهين : احدهما - على الفعل وتقديره وجعلهن طباقاً . والآخر - جعله نعتاً لـ { سبع } . وجعل { القمر فيهن نوراً } روي أن الشمس يضيء ظهرها لما يليها من السموات ، ويضيء وجهها لاهل الارض ، وكذلك القمر . والمعنى وجعل الشمس والقمر نوراً فى السموات والارض . وقال قوم : معنى { فيهن } معهن ، وحروف الصفات بعضها يقوم مقام بعض . وقال قوم : معناه فى حيزهن ، وإن كان فى واحدة منها ، كما يقول القائل : إن فى هذه الدور لبئراً وإن كان فى واحدة منها ، وكذلك يقولون : هذا المسجد فى سبع قبائل وإن كان فى احداها . والجعل حصول الشيء على المعى بقادر عليه . وقد يكون ذلك بحدوث نفسه . وقد يكون بحدوث غيره له . والجعل على أربعة اوجه : اولها - أحداث النفس ، كجعل البناء والنساجة وغير ذلك . والثاني - بقلبه ، كجعل الطين خزفاً . والثالث - بالحكم كجعله كافراً أو مؤمناً والرابع - بالدعاء إلى الفعل كجعله صادقاً وداعياً . والنور جسم شعاعي فيه ضياء كنور الشمس ، ونور القمر ، ونور النار ، ونور النجوم ، وشبه بذلك نور الهدى الى الحق ، فالله تعالى جعل القمر ضياء فى السموات السبع - فى قول عبد الله بن عمر - وقيل : جعله نوراً فى ناحيتهن { وجعل الشمس سراجاً } فالسراج جسم يركبه النور للاستصباح به ، فلما كانت الشمس قد جعل فيها النور للاستضاءة به كانت سراجاً ، وهي سراج العالم كما أن المصباح سراج هذا الانسان . وقوله { والله أنبتكم من الأرض نباتاً } فالانبات إخراج النبات من الارض حالا بعد حال . والنبات هو الخارج بالنموّ حالا بعد حال ، والتقدير في { أنبتكم نباتاً } أي فنبتم نباتاً ، لان أنبت يدل على نبت ، من جهة انه متضمن به . وقوله { ثم يعيدكم فيها } فالاعادة النشأة الثانية ، فالقادر على النشأة الأولى قادر على الثانية ، لانه باق قادر على اختراعه من غير سبب يولده . والمعنى إن الله يردّكم في الأرض بأن يميتكم فتصيروا تراباً كما كنتم أول مرة { ويخرجكم إخراجاً } منها يوم القيامة كما قال { منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى } ثم قال { والله جعل لكم الأرض بساطاً } أي مبسوطة يمكنكم المشي عليها والاستقرار فيها . وبين أنه إنما جعلها ، كذلك { لتسلكوا منها سبلا فجاجاً } فالفجاج جمع ( فج ) وهي الطريقة المتسعة المتفرقة ، وقيل : طرقاً مختلفة - ذكره ابن عباس - والفج المسلك بين جبلين ، ومنه الفج الذي لم يستحكم أمره ، كالطريق بين جبلين . وإنما عدد تعالى هذه الضروب من النعم امتناناً على خلقه وتنبيهاً لهم على استحقاقه للعبادة الخالصة من كل شرك ، ودلالة لهم على انه عالم بمصالح خلقه ، ومدبر لهم على ما تقتضيه الحكمة ، فيجب أن يشكروه على هذه النعمة ولا يقابلونها بالكفر والجحود .