Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 71, Ayat: 1-6)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ { أن اعبدوا الله } بكسر النون عاصم وحمزة وابو عمرو ، على اصل التقاء الساكنين . الباقون بالضم اتباعاً للضمة على الباء فى { اعبدوا الله } وقرأ الفراء { دعائي } ممدوداً إلا شبلا عن ابن كثير ، فانه قصر ، وفتح الياء مثل عصاي ، قال ابو علي : فتح الياء وإسكانها حسنان ، فاما قصر الكلمة فلم اسمعها ، ويجوز أن تكون لغة . يقول الله تعالى مخبراً عن نفسه { إنا أرسلنا نوحاً } أي بعثنا نوحاً نبياً { إلى قومه أن أنذر قومك } أي بأن انذر قومك ، فموضع ( أن ) نصب بسقوط الباء . وقال قوم : موضعه الجر لقوة حذفها مع ( أن ) . وقال آخرون : يجوز أن تكون ( أن ) بمعنى أي المفسره ، فلا يكون لها موضع من الاعراب . وقرأ ابن مسعود { أرسلنا نوحاً إلى قومه أنذر } بلا ( أن ) لأن معنى الارسال معنى القول فكأنه قال : قلنا له : أنذر قومك . والانذار التخويف بالاعلام بموضع المخافة ليتقى . ونوح عليه السلام قد انذر قومه بموضع المخافة وهي عبادة غير الله ، وإنتهاك محارمه ، وأعلمهم وجوب طاعته وإخلاص عبادته . وقوله { من قبل أن يأتيهم عذاب أليم } معناه اعلمهم وجوب عبادة الله وخوفهم خلافه من قبل أن ينزل عليهم العذاب المؤلم ، فانه إذا نزل بهم العذاب لم ينتفعوا بالانذار ولا تنفعهم عبادة الله حينئذ ، لأنهم يكونون ملجئين إلى ذلك . وقال الحسن : أمره بأن ينذرهم عذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة . ثم حكى أن نوحاً عليه السلام امتثل ما أمره الله به و { قال } لقومه { يا قوم إني لكم نذير مبين أن اعبدوا الله واتقوه } أي مخوفكم عبادة غير الله او أحذركم معصية الله مظهر ذلك لكم { واتقوه } بترك معاصيه { وأطيعون } فيما أمركم به لأن طاعتي مقرونة بطاعة الله ، وتمسككم بطاعتي لطف لكم فى التمسك بعبادة الله ، واتقاء معاصيه ، فلذلك وجب عليكم ما أدعوكم اليه على وجه الطاعة ، وطاعة الله واجبة عليكم لمكن النعمة السابغة عليكم التي لا يوازيها نعمة منعم . ثم بين لهم ما يستحقون على طاعة الله وطاعة رسوله فقال متى فعلتم ذلك { يغفر لكم من ذنوبكم } ودخلت ( من ) زائدة وقيل ( من ) معناها ( عن ) والتقدير يصفح لكم عن ذنوبكم ، وتكون عامة . وقيل : إنها دخلت للتبعيض ، ومعناها يغفر لكم ذنوبكم السالفة ، وهي بعض الذنوب التي تضاف اليهم ، فلما كانت ذنوبهم التي يستأنفونها لا يجوز الوعد بغفرانها مطلقاً - لما في ذلك من الاغراء بالقبيح - قيدت هذا التقييد . وقيل : معناها { يغفر لكم من ذنوبكم } بحسب ما تكون التوبة متعلقة بها ، فهذا على التبعيض إن لم يقلعوا إلا عن البعض . وهذا على مذهب من يقول : تصح التوبة من قبيح مع المقام على قبيح آخر يعلم قبحه . وقال الزجاج : دخلت ( من ) لتخص الذنوب من سائر الاشياء ، لا لتبعيض الذنوب . وأكثر النحويين وأكثر القراء على إظهار الراء عند اللام في { يغفر لكم } وأختار ابو عمرو الادغام ، لان إذهاب التكرير لا يخل ، لان الثاني مثل الأول . وإنما يخل إذهاب ماله حس في المسموع ، كالذي لحروف الصفير وبحروف المدّ واللين وقوله { ويؤخركم إلى أجل مسمى } عطف على الجزاء فلذلك جزمه ، والمعنى إنكم إن اطعتم الله ورسوله غفر لكم ذنوبكم وأخركم إلى الاجل المسمى عنده . وفي الآية دليل على الأجلين ، لان الوعد بالأجل المسمى مشروط بالعبادة والتقوى ، فلما لم يقع اقتطعوا بعذاب الاستئصال قبل الأجل الاقصى بأجل أدنى . وكل ذلك مفهوم هذا الكلام . وقيل تقديره إن الاجل الاقصى لهم إن آمنوا ، وليس لهم إن لم يؤمنوا ، كما أن الحنة لهم إن آمنوا وليست لهم إن لم يؤمنوا . ثم اخبر { إن أجل الله } الأقصى اذا جاء لا يؤخر { لو كنتم تعلمون } صحة ذلك وتؤمنون به ، ويجوز ذلك أن يكون اخباراً من الله عن نفسه ، ويجوز ان يكون حكاية عن نوح أنه قال ذلك لقومه . ثم حكى تعالى ما قال نوح لله تعالى فانه قال يا { رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً } الى عبادتك وخلع الانداد من دونك والى الاقرار بنبوتي { فلم يزدهم دعائي إلا فراراً } أي لم يزدادوا بدعائي الا فراراً عن قبوله وبعداً عن استماعه ، وانما سمي كفرهم عند دعائه زيادة فى الكفر ، لأنهم كانوا على كفر بالله وضلال عن حقه ، ثم دعاهم نوح إلى الاقرار به وحثهم على الاقلاع عن الشرك ، فلم يقبلوا ، فكفروا بذلك ، فكان ذلك زيادة فى الكفر ، لأن الزيادة اضافة شيء إلى مقدار بعد حصوله منفرداً ، ولو حصلا ابتداء في وقت واحد لم يكن أحدهما زيادة على الآخر ، ولكن قد يكون زيادة على العطية . قيل : وإنما جاز أن يكون الدعاء الى الحق يزيد الناس فراراً منه للجهل الغالب على النفس ، فتارة يدعو الى الفرار مما نافره ، وتارة يدعو الى الفساد الذي يلائمه ويشاكله فمن ها هنا لم يمتنع وقوع مثل هذا ، والفرار ابتعاد عن الشيء رغبة عنه او خوفاً منه ، فلما كانوا يتباعدون عن سماع دعائه رغبة عنه كانوا قد فروا منه .