Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 73, Ayat: 11-19)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما امر الله تعالى النبي صلى الله عليه وآله بالصبر على اذى قومه ، وأن يهجرهم هجراً جميلا قال على وجه التهديد للكفار { وذرني } يا محمد { والمكذبين } الذين يكذبونك فيما تدعوهم اليه من التوحيد وإخلاص العبادة والاعتراف بالبعث والنشور ، والثواب والجزاء ، كما يقول القائل : دعني وإياه إذا أراد أن يهدده ، يقال : يذر بمعنى يترك ، ويدع ، ولا يستعمل ماضيه ، ولا ماضي ( يدع ) ولا يقال : وذر ، ولا ودع ، استغناء بقولهم ترك عن ذلك ، لان الابتداء بالواو عندهم مكروه ، ولذلك أبدلوا منها الهمزة في قولهم { أقتت } والاصل ( وقتت ) ، وقالوا { تخمة } والاصل ( وخمة ) وكذلك كل ما يصرف منه مما فى أوله واو إلا قولهم : وادع من الدعة فلم يستغنوا عنه بتارك . وقوله { أولي النعمة } معناه ذوي النعمة أي اصحاب النعمة ، والنعمة - بفتح النون - لين الملمس وضدها الخشونة ، ومعناه { وذرني والمكذبين } أي ارض بعقاب المكذبين لست تحتاج إلى اكثر من ذلك كما يقال : دعني وإياه ، فانه يكفيه ما ينزل به من غير تقصير مما يقع به ، وهذا تهدد شديد . وقوله { ومهلهم قليلاً } أي اخرهم فى المدة قليلا فالتمهيل التأخير فى المدة ، وقد يكون التأخير فى المكان ، فلا يسمى تمهيلا ، فاذا كان في المدة فهو تمهيل كما ان التأخير في الاجل تأجيل آخر . وقوله { إن لدينا أنكالاً } أي قيوداً - في قول مجاهد وقتادة - واحدها نكل { وجحيماً } أي ناراً عظيمة ، وجحيم اسم من اسماء جهنم { وطعاماً ذا غصة } قال ابن عباس : معناه ذا غصة بشوك يأخذ الحلق ، فلا يدخل ولا يخرج . وقيل : معناه يأخذ بالحلقوم لخشونته وشدة تكرهه { وعذاباً أليماً } أي عقاباً موجعاً مؤلماً . ثم بين متى يكون ذلك فقال { يوم ترجف الأرض } أي اعتدنا هذه الانواع من العذاب في يوم ترجف الارض أي تتحرك باضطراب شديد { والجبال } أي وترجف الجبال معها أيضاً { وكانت الجبال كثيباً مهيلاً } قال ابن عباس : تصير الجبال رملا سائلا متناثراً ، فالكثيب الرمل المجتمع الكثير ، ومهيل مفعول من هلت الرمل اهيله وذلك إذا حرك اسفله فسال أعلاه ، ويقال : مهيول كما يقال مكيل ومكيول ، وانهال الرمل انهيالا و { الغصة } تردد اللقمة في الفم لا يسيغها الذي يروم أكلها قال الشاعر : @ لو بغير الماء حلقي شرق كنت كالغصان بالماء اعتصاري @@ يقال غص بريقه يغص غصصاً ، وفي قلبه غصة من كَذا ، وهي كاللذغة التي لا يسيغ معها الطعام ولا الشراب . وقوله { إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم } اخبار من الله تعالى وخطاب للمكلفين في عصر النبي صلى الله عليه وآله ومن بعده بأنه أرسل اليهم رسولا يدعوهم إلى عبادته وإخلاص توحيده { شاهداً عليكم } بقبولهم إن قبلوا وعليهم إن لم يقبلوا { كما أرسلنا } أي ارسلناه اليكم مثل ما أرسلنا { إلى فرعون رسولا } يعني موسى ابن عمران عليه السلام . ثم اخبر عن فرعون فقال { فعصى فرعون الرسول } يعني موسى ، فلم يقبل منه ما أمره به ودعاه اليه { فأخذناه أخذاً وبيلاً } أي اخذاً ثقيلاً شديداً عقوبة له على عصيانه موسى رسول الله ، وكل ثقيل وبيل ، ومنه : كلأ مستوبل أي متوخم لا يستمرء لثقله ، ومنه الوبل ، والوابل ، وهو المطر العظيم القطر ، ومنه الوبال وهو ما يغلظ على النفس وأصله الغلظ قال طرفة : @ فمرت كهاة ذات خيف جلالة عقيلة شيخ كالوبيل يلندد @@ الوبيل - ها هنا - الغليظ من العصى و ( كهاة ) ناقة مسنة و ( الخيف ) جلد الضرع و ( يلندد ) شديد الخصومة . قوله { فكيف تتقون إن كفرتم يوماً يجعل الولدان شيباً } أي إن كفرتم بالله وجحدتم نعمه ، وكذبتم رسوله ، وإنما جعل الولدان ، وهم الأولاد الصغار شيباً لشدته ، وعظم أهواله ، كما يقال : قد حدث أمر تشيب منه النواصي . وقيل : { يوماً يجعل الولدان شيباً } على وجه المثل ، والشيب جمع أشيب ، يقال : شاب الانسان يشيب شيباً إذا ابيض شعره . ثم زاد في صفة شدة ذلك اليوم أيضاً فقال { السماء منفطر به } أي متصدع بشدة ذلك اليوم ، وإنما لم يقل منفطرة ، لانه جرى على طريق النسبة أي ذات انفطار ، ولم يجر على طريق ( فاعلة ) كما قالوا للمرأة : مطفل أي ذات طفل . وقال الزجاج : تقديره السماء منفطر باليوم مثقلة به . وقال الحسن : معناه السماء مثقل به . وقال غيره : السماء مثقلة بذلك اليوم من شدته . وقال قوم : معناه متشقق بالأمر الذي يجعل الولدان شيباً . والسماء يؤنث ويذكر ، فمن ذكر أراد السقف . وقوله { كان وعده مفعولا } معناه إن ما وعد الله به فلا بد من كونه ، فلذلك عبر عنه بلفظ الماضي فكأنه قد وجد . ثم قال { إن هذه تذكرة } أي هذه القصة التي ذكرناها وبيناها { تذكرة } أي عظة لمن انصف من نفسه وفكر فيها ، فالتذكرة التبصرة ، وهي الموعظة التي يذكر بها ما يعمل عليه . وقوله { فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً } معناه إن من شاء من المكلفين اتخذ إلى ثواب ربه سبيلا ، لانه قادر على الطاعة التي لو فعلها وصل الى الثواب . والله تعالى قد دعاه إلى ما يوصله اليه ورغبه فيه ، وبعث رسولا يدعوه ايضاً اليه . وإن لم يفعل فبسوء اختياره انصرف عنه .