Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 86, Ayat: 1-10)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ { لما } بالتشديد عاصم وحمزة وابن عامر بمعنى { إلا } وقد جاء { لما } مشدداً بمعنى ( إلا ) في موضعين : إن ، والقسم ، كقولهم سئلتك لما فعلت بمعنى إلا فعلت قال قوم : تقديره لمما ، فحذفت إحدى الميمات كراهة اجتماع الأمثال . وقرأ الباقون بالتخفيف جعلوا ( ما ) صلة مؤكدة . وتقديره لعليها حافظ ، واللام لام الابتداء التي يدخل في خبر ( إن ) و ( أن ) مخففة من الثقيلة . هذا قسم من الله تعالى بالسماء وبالطارق ، وقد بينا القول فيه فالطارق هو الذي يجيء ليلا وقد فسره الله تعالى وبينه بأنه { النجم الثاقب } فالنجم هو الكوكب قال الحسن : المراد بالنجم جميع النجوم . وقال ابن زيد : هو زحل . وقوله { وما أدراك } معناه أنه لم تدر حتى أعلمتك ، وكل ما يعلمه الانسان فالله أعلمه بالضرورة أو بالدليل . قال قتادة : طروق النجم ظهورها بالليل وخفاؤها بالنهار . وقوله { والطارق } تبيين عن معنى وصفه بالطارق . وقوله { النجم الثاقب } تبيين عن ماهيته نفسه يقال : طرقني فلان إذا أتاني ليلا وأصل الطرق الدق ، ومنه المطرقة ، لأنه يدق بها ، والطريق لان المارة تدقه بارجلها ، والطارق لأنه يحتاج إلى الدق للتنبيه ، والنجم هو الكوكب الطالع فى السماء ، يقال لكل طالع ناجم تشبيهاً به ، ونجم النجم إذا طلع ، وكذلك السن والقرن . ويوصف بالطالع والغارب ، لأنه إذا طلع من المشرق غاب رقيبه من المغرب ، والثاقب المضيء المنير ، وثقوبه توقده وتنوره ، تقول العرب : اثقب نارك أي اشعلها حتى تضيء . وثقب لسانها بخروج الشعاع منها والثاقب أيضاً العالي الشديد العلو ، تقول : العرب للطائر اذا ارتفع ارتفاعاً شديداً قد ثقب . كله كأنه ثقب الجو الأعلى . وقال مجاهد وقتادة وابن عباس : الثاقب المضيء . وقال ابن زيد : هو العالي وهو زحل . وقوله { إن كل نفس لما عليها حافظ } جواب القسم و ( إن ) ها هنا المخففة من الثقيلة التي يتلقى بها القسم ، والمعنى إن كل نفس لعليها حافظ - فيمن خفف - ومن شدد قال : ( ان ) بمعنى ( ما ) وتقديره ليس كل نفس إلا عليها حافظ . وقال قتادة : حافظ من الملائكة يحفظون عمله ورزقه وأجله ، فالحافظ المانع من هلاك الشيء حفظه يحفظه حفظاً واحتفظ به احتفاظاً فأما أحفظه فمعناه أغضبه ، وتحفظ من الامر إذا أمتنع بحفظ نفسه منه وحافظ عليه إذا واظب عليه بالحفظ . وقوله { فلينظر الإنسان مم خلق } أمر من الله تعالى للمكلفين من الناس أن يفكروا ويعتبروا مماذا خلقهم الله . ثم بين تعالى مماذا خلقهم فقال { خلق من ماء دافق } فالدفق هو صب الماء الكثير باعتماد قوي ، ومثله الدفع ، فالماء الذي يكون منه الولد يكون دفقاً وهي النطفة التي يخلق الله منها الولد إنساناً أو غيره ، وماء دافق معناه مدفوق ، ومثله شرّ كاتم ، وعيشة راضية . ثم بين ذلك من أي موضع يخرج هذا الماء ، فقال { يخرج من بين الصلب والترائب } فالصلب هو الظهر ، والترائب جمع تريبة وهو موضع القلادة من صدر المرأة - في قول ابن عباس - وهو مأخوذ من تذليل حركتها كالتراب . قال المثقب . @ ومن ذهب يشن إلى تريب كلون العاج ليس بذي غصون @@ وقال آخر : @ والزعفران على ترائبها شرقاً به اللبات والنحر @@ وقيل : إن نطفة الرجل تخرج من ظهره ، ونطفة المرأة من صدرها ، فاذا غلب ماء الرجل خرج الولد إلى شبه أهل بيت أبيه وإذا غلب ماء المرأة خرج إلى شبه أهل بيت أمه . وقوله { إنه على رجعه لقادر } قال عكرمة ومجاهد : معناه إنه تعالى على رد الماء فى الصلب قادر . وقال الضحاك : إنه على رد الانسان ماء كما كان قادر ، والرجع الماء وأنشد ابو عبيدة للمنخل فى صفة سيف : @ ابيض كالرجع رسوب إذا ما ثلخ فى محتفل يختلي @@ ومعنى الآية إن الذي ابتدأ الخلق من ماء دافق أخرجه من بين الصلب والترائب حياً قادر على اعادته { يوم تبلى السرائر } لان الاعادة أهون من ابتداء النشأة ، وقال الحسن وقتادة معناه أنه على رجع الانسان بالاحياء بعد الممات قادر . وقوله { يوم تبلى السرائر } معناه تختبر باظهارها وإظهار موجبها لان الابتلاء والاختبار والاعتبار كله إنما هو باظهار موجب المعنى ، ففي الطاعة الحمد والثواب وفى المعصية الذم والعقاب ، وواحد السرائر سريرة وهي الطوية فى النفس ، وهو اسرار المعنى فى النفس ، وقد يكون الاسرار من واحد بعينه مع إطلاع غيره عليه فلا يكون سريرة . وقيل : إن الله يفضح العاصي بما كان يستر من معاصيه ويجلّ المؤمن باظهار ما كان يسره من طاعته ليكرمه الناس بذلك ويجلوه . ثم بين تعالى أنه لا قدرة لهذا الانسان الذي يعيده الله - على معاصيه - ويعاقبه على دفع ذلك عن نفسه ولا ناصر له يدفعه فالقدرة هي القوة بعينها .