Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 89, Ayat: 1-14)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ حمزة والكسائي وخلف { والوتر } بكسر الواو . الباقون بفتحها وهما لغتان . قال ابو عبيدة : الشفع الزكا والوتر الخسا . وقرأ نافع وابو عمرو { يسري } بياء فى الوصل دون الوقف . وقرأ ابن كثير بياء فى الوصل والوقف ، وكذلك { بالوادي } الباقون بغير ياء فى وصل ولا وقف . من أثبت الياء ، فلأنها الأصل ومن حذفها ، فلأنها رأس آية والفواصل تحذف منها الياآت . هذا قسم من الله تعالى بالفجر وليال عشر ، وقسم منه بالشفع والوتر والليل إذا يسري ، وجواب القسم قوله { إن ربك لبالمرصاد } و { الفجر } شق عمود الصبح فجره الله لعباده يفجره فجراً إذا أظهره في أفق المشرق مبشراً بادبار الليل المظلم وإقبال النهار المضيء ، والفجر فجران : احدهما المستطيل ، وهو الذي يصعد طولا كذنب السرحان ولا حكم له في الشرع ، والآخر هو المستطير ، وهو الذي ينشر في افق السماء ، وهو الذي يحرم عنده الأكل والشرب لمن أراد الصوم في شهر رمضان ، وهو ابتداء اليوم . وقال عكرمة والحسن : الفجر فجر الصبح . وقوله { وليال عشر } قال ابن عباس والحسن وعبد الله بن الزبير ومجاهد ومسروق والضحاك وابن زيد : وهي العشر الأول من ذي الحجة شرفها الله تعالى ليسارع الناس فيها إلى عمل الخير واتقاء الشر على طاعة الله في تعظيم ما عظم وتصغير ما صغره ، وينالون بحسن الطاعة الجزاء بالجنة . وقال قوم : هي العشر من أول محرم ، والاول هو المعتمد . وقوله { والشفع والوتر } قال ابن عباس وكثير من أهل العلم : الشفع الخلق بما له من الشكل والمثل ، والوتر الخالق الفرد الذي لا مثل له ، وقال الحسن : الشفع الزوج ، والوتر الفرد من العدد ، كأنه تنبيه على ما في العدد من العبرة بما يضبط لأنه من المقادير التى يقع بها التعديل . وقال ابن عباس وعكرمة والضحاك : الشفع يوم النحر ، والوتر يوم عرفه ، ووجه ذلك أن يوم النحر مشفع بيوم نحر بعده ، وينفرد يوم عرفه بالموقف وفي رواية أخرى عن ابن عباس ومجاهد ومسروق وابي صالح : ، أن الشفع الخلق ، والوتر الله تعالى . وقال ابن زيد : الشفع والوتر كله من الخلق . فقال عمران بن حصين : الصلاة فيها شفع وفيها وتر ، وقال ابن الزبير : الشفع : اليومان الأولان من يوم النحر والوتر اليوم الثالث . وفي رواية أخرى عن ابن عباس : الوتر آدم والشفع زوجته . قال ابو عبيدة : يقال أوترت ووترت . وقوله { والليل إذا يسري } معناه يسير ظلاماً حتى ينقضي بالضياء المبتدئ ففي تسييره على المقادير المرتبة ، ومجيئه بالضياء عند تقضيه في الفصول أدل دليل على أن فاعله يختص بالعز والاقتدار الذي يجلّ عن الأشباه والامثال . وقوله { هل في ذلك قسم لذي حجر } أى لذي عقل - في قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والحسن - وقيل العقل الحجر ، لانه يعقل عن المقبحات ويزجر عن فعلها ، يقال : حجر يحجر حجراً إذا منع من الشيء بالتضييق ، ومنه حجر الرجل الذي يحجر على ما فيه ، ومنه الحجر لامتناعه بصلابته . وقوله { ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد } خطاب من الله تعالى للنبي صلى الله عليه وآله ، وتنبيه للكفار على ما فعل بالامم الماضية لما كفروا بوحدانية الله ، واعلام لهم كيفية إهلاكهم . وقيل : عاد الأولى عاد ابن آرم . وقيل : إن { إرم } بلد منه الاسكندرية - في قول القرطي - وقال المعرّي : هو دمشق . وقال مجاهد : هم أمة من الامم . وقال قتادة : هم قبيلة من عاد . وقوله { ذات العماد } قال ابن عباس ومجاهد : ذات الطول من قولهم : رجل معمد إذا كان طويلا . وقيل ذات عمد للابيات ينتقلون من مكان إلى مكان ، للانتجاع - ذكره قتادة - وقال ابن زيد : ذات العماد في إحكام البنيان . وقال الضحاك : معناه ذات القوى الشداد . وقال الحسن : العماد الابنية العظام . وقيل : ان { إرم } هو سام بن نوح ، وترك صرفه لأنه أعجمي معرفة . وقوله { التى لم يخلق مثلها في البلاد } يعني في عظم أجسامهم وشدة قوتهم وقوله { وثمود الذين جابوا الصخر بالواد } موضع { ثمود } جر بالعطف على قوله { بعاد } أى وثمود ولم يجره لانه أعجمى معرفة ، ومعنى { جابوا الصخر } أى قطعوا الصخر من الجبال بشدة قوتهم ، يقال : جاب يجوب إذا قطع قال النابغة : @ اتاك ابو ليلي يجوب به الدجى دجى الليل جواب الغلاة غشمشم @@ قال مجاهد : قطعوا الجبال بيوتاً كما قال { وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين } وقوله { وفرعون ذي الأوتاد } قال ابن عباس : معناه ذي الجنود الذين كانوا يشدون أمره . وقال مجاهد : كان يوتد الأوتاد فى ايدى الناس . وقال قتادة : ملاعب كان يلعب له فيها ، ويضرب تحتها بالاوتاد . وقيل : ذى الاوتاد لكثرة الاوتاد التي كانوا يتخذونها للمضارب ولكثرة جموعهم ، وكان فيهم أكثر منه فى غيرهم ، وقيل : إن فرعون كان إذا غضب على الرجل مده بين أربعة أوتاد حتى يموت . وقوله { الذين طغوا في البلاد } معناه إن هؤلاء الذين ذكرناهم تجاوزوا فى الظلم الحد فى البلاد ، وخرجوا عن حد القلة وفسر ذلك بقوله { فأكثروا فيها الفساد } يعني اكثروا فى البلاد الفساد ، ثم بين ما فعل بهم عاجلا فقال { فصب عليهم ربك } يا محمد صلى الله عليه وآله { سوط عذاب } أى قسط عذاب كالعذاب بالسوط الذى يعرف إلا أنه اعظم ، ويجوز أن يكون عنى قست عذاب يخالط اللحوم والدماء كما يخالط بالسوط من قولهم : ساطه يسوطه سوطاً فهو سائط قال الشاعر : @ أحارث إنا لو تساط دماؤنا تزايلن حتى لا يمسّ دم دما @@ وقيل : المعنى إنه جعل سوطه الذى ضربهم به انه صب عليهم العذاب . وقوله { إن ربك لبالمرصاد } معناه إن ربك يا محمد لا يفوته شيء من اعمال العباد كما لا يفوت من بالمرصاد . والمرصاد مفعال من رصده يرصده رصداً ، فهو راصد إذا راعى ما يكون منه ليقابله بما يقتضيه ، وقيل لأمير المؤمنين عليه السلام اين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والارض ؟ فقال : { أين } سؤال عن مكان ، وكان الله ولا مكان . وقيل لا عرابي : أين ربك يا اعرابي ؟ ! قال بالمرصاد . وقال ابن عباس معناه إنه يسمع ويرى أعمال العباد . وقال الحسن والضحاك : لبالمرصاد بانصاف المظلوم من الظالم ، ومعناه لا يجوزه ظلم ظالم حتى ينصف المظلوم منه .