Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 122-122)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { فلولا نفر } معناه هلا نفر ، وهي للتحضيض إذا دخلت على الفعل ، فاذا دخلت على الاسم فهي بمعنى امتناع الشيء لأجل وجود غيره . وقيل في معناه ثلاثة اقوال : احدها - قال الحسن : حث الله تعالى الطائفة النافرة على التفقه لترجع إلى المتخلفة فتحذرها . وقال قتادة : ان المعنى . انه لم يكن لهم ان ينفروا بأجمعهم في السرايا ويتركوا النبي صلى الله عليه وآله بالمدينة وحده ، ولكن تبقى بقية لتتفقه البقية ثم تنذر النافرة وبه قال الضحاك وابن عباس ، وقال ابو علي الجبائي : تنفر الطائفة من كل ناحية إلى النبي صلى الله عليه وآله لتسمع كلامه وتتفقه عنه ، ثم يبينوا ذلك لقومهم إذا رجعوا اليهم . وقال مجاهد : نزلت الآية في قوم خرجوا إلى البادية ليفقهوهم ولينالوا منهم خيراً ، فلما عاتب الله من تأخر عن النبي عند خروجه إلى تبوك وذم آخرين خافوا ان يكونوا منهم فنفروا بأجمعهم ، فقال الله : هلا نفر بعضهم ليفقه عن النبي صلى الله عليه وآله ما يجب عليهم وما لا يجب ويرجعون فيخبرون اصحابهم بذلك ليحذروا . والنفور عن الشيء هو الذهاب عنه لتكره النفس له ، والنفور اليه الذهاب اليه لتكره النفس لغيره . والتفقه تعلم الفقه . والفقه فهم موجبات المعنى المضمنة بها من غير تصريح بالدلالة عليها ، وصار بالعرف مختصاً بمعرفة الحلال والحرام ، وما طريقه الشرع . وقوله { لعلهم يحذرون } معناه لكي يحذروا ، لأن الشك لا يجوز على الله . والحذر تجنب الشيء لما فيه من المضرة يقال : حذر حذراً وحذّرته تحذيراً وحاذره محاذرة وتحذر تحذراً . واستدل جماعة بهذه الآية على وجوب العمل بخبر الواحد بأن قالوا : حث الله تعالى الطائفة على النفور والتفقه حتى إذا رجعوا إلى غيرهم لينذروهم ليحذروا ، فلولا انه يجب عليهم القبول منهم لما وجب عليهم الانذار والتخويف . والطائفة تقع على جماعة لا يقع بخبرهم العلم بل تقع على واحد . لأن المفسرين قالوا في قوله { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } أنه يكفي أن يحضر واحد . وهذا الذي ذكروه ليس بصحيح ، لأن الذي يقتضيه ظاهر الاية وجوب النفور على الطائفة من كل فرقة ، ووجوب التفقه والانذار إذا رجعوا ، ويحتمل ان يكون المراد بالطائفة الجماعة التي يوجب خبرهم العلم ، ولو سلمنا انه يتناول الواحد او جماعة قليلة ، فلم اذا وجب عليهم الانذار وجب على من يسمع القبول ؟ والله تعالى إنما اوجب عليه المنذرين الحذر ، والحذر ليس من القبول في شيء بل الحذر يقتضي وجوب البحث عن ذلك حتى يعرف صحته من فساده بالرجوع إلى الأدلة ، ألا ترى ان المنذر إذا ورد على المكلف وخوفه من ترك النظر فانه يجب عليه النظر ولا يجب عليه القبول منه قبل ان يعلم صحته من فساده ، وكذلك إذا ادعى مدع النبوة وان معه شرعاً وجب عليه ان ينظر في معجزه ولا يجب عليه القبول منه وتصديقه قبل ان يعلم صحة نبوته . فكذلك لا يمتنع ان يجب على الطائفة الانذار ويجب على المنذرين البحث والتفتيش حتى يعلموا صحة ما قالوه فيعملوا به ، وقد استوفينا الكلام في ذلك في كتاب اصول الفقه لا نطول بذكره ها هنا . وقيل : ان اعراب اسد قدموا على النبي صلى الله عليه وآله المدينة فغلت الأسعار وملؤوا الطرق بالعذرة فانزل الله تعالى الآية يقول : فهلا جاء منهم طوائف ثم رجعوا إلى قومهم فأخبروهم بما تعلموا . وروى الواقدي ان قوماً من خيار المسلمين خرجوا إلى البدو يفقهون قومهم فاحتج المنافقون في تأخرهم عن تبوك بأولئك فنزلت { وما كان المؤمنون لينفروا كافة } قال : وفيهم نزلت { والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة } يعني ان احتجوا بتأخير هؤلاء في البادية فانهم مستجيبون مؤمنون ، فكيف يكون لهم بهم اسوة او حجة في تأخرهم وهم منافقون مدهنون . وقال ابو جعفر عليه السلام كان هذا حين كثر الناس فأمرهم الله ان ينفر منهم طائفة وتقيم للتفقه وان يكون الغزو نوباً .