Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 1, Ayat: 2-2)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أما قوله جل جلاله { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } فاعلم أن الحمد إنما يكون حمداً على النعمة ، والحمد على النعمة لا يمكن إلا بعد معرفة تلك النعمة ، لكن أقسام نعم الله خارجة عن التحديد والإحصاء ، كما قال تعالى : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } [ إبراهيم : 34 ] ولنتكلم في مثال واحد ، وهو أن العاقل يجب أن يعتبر ذاته ، وذلك لأنه مؤلف من نفس وبدن ولا شك أن أدون الجزءين وأقلهما فضيلة ومنفعة هو البدن ، ثم إن أصحاب التشريح وجدوا قريباً من خمسة آلاف نوع من المنافع والمصالح التي دبرها الله عزّ وجلّ بحكمته في تخليق بدن الإنسان ، ثم إن من وقف على هذه الأصناف المذكورة في « كتب التشريح » عرف أن نسبة هذا القدر المعلوم المذكور إلى ما لم يعلم وما لم يذكر كالقطرة في البحر المحيط ، وعند هذا يظهر أن معرفة أقسام حكمة الرحمن في خلق الإنسان تشتمل على عشرة آلاف مسألة أو أكثر ، ثم إذا ضمت إلى هذه الجملة آثار حكم الله تعالى في تخليق العرش والكرسي وأطباق السموات ، وأجرام النيرات من الثوابت والسيارات ، وتخصيص كل واحد منها بقدر مخصوص ولون مخصوص وغير مخصوص ، ثم يضم إليها آثار حكم الله تعالى في تخليق الأمهات والمولدات من الجمادات والنباتات والحيوانات وأصناف أقسامها وأحوالها علم أن هذا المجموع مشتمل على ألف ألف مسألة أو أكثر أو أقل ، ثم إنه تعالى نبه على أن أكثرها مخلوق لمنفعة الإنسان ، كما قال تعالى : { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [ الجاثية : 13 ] وحينئذٍ يظهر أن قوله جل جلاله : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } مشتمل على ألف ألف مسألة ، أو أكثر أو أقل . أنواع العالم وإمكان وجود عوالم أخرى : وأما قوله جل جلاله : { رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } فاعلم أن قوله : { رَبّ } مضاف وقوله : { ٱلْعَـٰلَمِينَ } مضاف إليه ، وإضافة الشيء إلى الشيء تمتنع معرفتها إلا بعد حصول العلم بالمتضايفين ، فمن المحال حصول العلم بكونه تعالى رباً للعالمين إلا بعد معرفة رب والعالمين ، ثم إن العالمين عبارة عن كل موجود سوى الله تعالى ، وهي على ثلاثة أقسام : المتحيزات ، والمفارقات ، والصفات . أما المتحيزات فهي إما بسائط أو مركبات ، أو البسائط فهي الأفلاك والكواكب والأمهات ، وأما المركبات فهي المواليد الثلاثة ، واعلم أنه لم يقم دليل على أنه لا جسم إلا هذه الأقسام الثلاثة ، وذلك لأنه ثبت بالدليل أنه حصل خارج العالم خلاء لا نهاية له ، وثبت بالدليل أنه تعالى قادر على جميع الممكنات ، فهو تعالى قادر على أن يخلق ألف ألف عالم خارج العالم ، / بحيث يكون كل واحد من تلك العوالم أعظم وأجسم من هذا العالم ، ويحصل في كل واحد منها مثل ما حصل في هذا العالم من العرش والكرسي والسموات والأرضين والشمس والقمر ، ودلائل الفلاسفة في إثبات أن العالم واحد دلائل ضعيفة ركيكة مبنية على مقدمات واهية قال أبو العلاء المعري : ـ @ يا أيها الناس كم لله من فلك تجري النجوم به والشمس والقمر هين على الله ماضينا وغابرنا فما لنا في نواحي غيره خطر @@ ومعلوم أن البحث عن هذه الأقسام التي ذكرناها للمتحيزات مشتمل على ألوف ألوف من المسائل ، بل الإنسان لو ترك الكل وأراد أن يحيط علمه بعجائب المعادن المتولدة في أرحام الجبال من الفلزات والأحجار الصافية وأنواع الكباريت والزرانيخ والأملاح ، وأن يعرف عجائب أحوال النبات مع ما فيها من الأزهار والأنوار والثمار ، وعجائب أقسام الحيوانات من البهائم والوحوش والطيور والحشرات لنفد عمره في أقل القليل من هذه المطالب ، ولا ينتهي إلى غورها كما قال تعالى : { وَلَوْ أَنَّ مَّا فِى ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَـٰتُ ٱللَّهِ } [ لقمان : 27 ] وهي بأسرها وأجمعها داخلة تحت قوله { رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } . رحمة الله تعالى بعباده لا تنحصر أنواعها :