Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 50-52)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن هذا هو الجواب الثاني عن قولهم { متى هذا الوعد إن كنتم صادقين } [ يونس : 48 ] وفيه مسائل : المسألة الأولى : حاصل الجواب أن يقال لأولئك الكفار الذين يطلبون نزول العذاب بتقدير أن يحصل هذا المطلوب وينزل هذا العذاب ما الفائدة لكم فيه ؟ فإن قلتم نؤمن عنده ، فذلك باطل ، لأن الإيمان في ذلك الوقت إيمان حاصل في وقت الإلجاء والقسر ، وذلك لا يفيد نفعاً ألبتة ، فثبت أن هذا الذي تطلبونه لو حصل لم يحصل منه إلا العذاب في الدنيا ، ثم يحصل عقيبه يوم القيامة عذاب آخر أشد منه ، وهو أنه يقال : للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد ، ثم يقرن بذلك العذاب كلام يدل على الإهانة والتحقير وهو أنه تعالى يقول : { هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } فحاصل هذا الجواب : أن هذا الذي تطلبونه هو محض الضرر العاري عن جهات النفع والعاقل لا يفعل ذلك . المسألة الثانية : قوله : { بَيَاتًا } أي ليلاً يقال بت ليلتي أفعل كذا ، والسبب فيه أن الإنسان في الليل يكون ظاهراً في البيت ، فجعل هذا اللفظ كناية عن الليل والبيات مصدر مثل التبييت كالوداع والسراح ، ويقال في النهار ظللت أفعل كذا ، لأن الإنسان في النهار يكون ظاهراً في الظل . وانتصب { بياتاً } على الظرف أي وقت بيات وكلمة { مَاذَا } فيها وجهان : أحدهما : أن يكون ماذا اسماً واحداً ويكون منصوب المحل كما لو قال ماذا أراد الله ، ويجوز أن يكون { ذا } بمعنى الذي ، فيكون { ماذا } كلمتين ومحل { ما } الرفع على الابتداء وخبره { ذا } وهو بمعنى الذي ، فيكون معناه ما الذي يستعجل منه المجرمون ومعناه ، أي شيء الذي يستعجل من العذاب المجرمون . واعلم أن قوله : { إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا } شرط . وجوابه : قوله { ماذا يستعجل منه المجرمون } ، وهو كقولك إن أتيتك ماذا تطعمني ، يعني : إن حصل هذا المطلوب ، فأي مقصود تستعجلونه منه . وأما قوله : { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءامَنْتُمْ بِهِ } فاعلم أن دخول حرف الاستفهام على ثم كدخوله على الواو والفاء في قوله : { أَوَ أَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَى } [ الأعراف : 98 ] { أَفَأَمِنَ } [ الأعراف : 97 ] وهو يفيد التقريع والتوبيخ ، ثم أخبر تعالى أن ذلك الإيمان غير واقع لهم بل يعيرون ويوبخون ، يقال : آلآن تؤمنون وترجون الانتفاع بالإيمان مع أنكم كنتم قبل ذلك به تستعجلون على سبيل السخرية والاستهزاء ، وقرىء { آلان } بحذف الهمزة التي بعد اللام وإلقاء حركتها على اللام . وأما قوله : { ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ } فهو عطف عى الفعل المضمر قبل { آلان } والتقدير : قيل : آلان وقد كنتم به تستعجلون ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد . وأما قوله تعالى : { هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } ففيه ثلاث مسائل : المسألة الأولى : أنه تعالى أينما ذكر العقاب والعذاب ذكر هذه العلة كأن سائلاً يسأل يقول : يا رب العزة أنت الغني عن الكل فكيف يليق برحمتك هذا التشديد والوعيد ، فهو تعالى يقول : « أنا ما عاملته بهذه المعاملة ابتداء بل هذا وصل إليه جزاء على عمله الباطل » وذلك يدل على أن جانب الرحمة راجح غالب ، وجانب العذاب مرجوح مغلوب . المسألة الثانية : ظاهر الآية يدل على أن الجزاء يوجب العمل ، أما عند الفلاسفة فهو أثر العمل ، لأن العمل الصالح يوجب تنوير القلب ، وإشراقه إيجاب العلة معلولها وأما عند المعتزلة فلأن العمل الصالح يوجب استحقاق الثواب على الله تعالى وأما عند أهل السنة ، فلأن ذلك الجزاء واجب بحكم الوعد المحض . المسألة الثالثة : الآية تدل على كون العبد مكتسباً خلافاً للجبرية ، وعندنا أن كونه مكتسباً معناه أن مجموع القدرة مع الداعية الخالصة يوجب الفعل والمسألة طويلة معروفة بدلائلها .