Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 68-68)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن هذا نوع آخر من الأباطيل التي حكاها الله تعالى عن الكفار وهي قولهم : { ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدًا } ويحتمل أن يكون المراد حكاية قول من يقول : الملائكة بنات الله ، ويحتمل أن يكون المراد قول من يقول : الأوثان أولاد الله ، ويحتمل أن يكون قد كان فيهم قوم من النصارى قالوا ذلك ثم إنه تعالى لما استنكر هذا القول قال بعده : { هُوَ ٱلْغَنِيُّ لَهُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } . واعلم أن كونه تعالى غنياً مالكاً لكل ما في السموات والأرض يدل على أنه يستحيل أن يكون له ولد ، وبيان ذلك من وجوه : الأول : أنه سبحانه غني مطلقاً على ما في هذه الآية ، والعقل أيضاً يدل عليه ، لأنه لو كان محتاجاً لافتقر إلى صانع آخر ، وهو محال وكل من كان غنياً فإنه لا بد أن يكون فرداً منزهاً عن الأجزاء والأبعاض ، وكل من كان كذلك امتنع أن ينفصل عنه جزء من أجزائه ، والولد عبارة عن أن ينفصل جزء من أجزاء الإنسان ، ثم يتولد عن ذلك الجزء مثله ، وإذا كان هذا محالاً ثبت أن كونه تعالى غنياً يمنع ثبوت الولد له . الحجة الثانية : أنه تعالى غني وكل من كان غنياً كان قديماً أزلياً باقياً سرمدياً ، وكل من كان كذلك ، امتنع عليه الانقراض والانقضاء ، والولد إنما يحصل للشيء الذي ينقضي ، وينقرض ، فيكون ولده قائماً مقامه ، فثبت أن كونه تعالى غنياً ، يدل على أنه يمتنع أن يكون له ولد . الحجة الثالثة : أنه تعالى غني وكل من كان غنياً فإنه يمتنع أن يكون موصوفاً بالشهوة واللذة وإذا امتنع ذلك امتنع أن يكون له صاحبة وولد . الحجة الرابعة : أنه تعالى غني ، وكل من كان غنياً امتنع أن يكون له ولد ، لأن اتخاذ الولد إنما يكون في حق من يكون محتاجاً حتى يعينه ولده على المصالح الحاصلة والمتوقعة ، فمن كان غنياً مطلقاً امتنع عليه اتخاذ الولد . الحجة الخامسة : ولد الحيوان إنما يكون ولداً له بشرطين : إذا كان مساوياً له في الطبيعة والحقيقة ، ويكون ابتداء وجوده وتكونه منه ، وهذا في حق الله تعالى محال ، لأنه تعالى غني مطلقاً ، وكل من كان غنياً مطلقاً كان واجب الوجود لذاته ، فلو كان لواجب الوجود ولد ، لكان ولده مساوياً له . فيلزم أن يكون ولد واجب الوجود أيضاً واجب الوجود ، لكن كونه واجب الوجود يمنع من تولده من غيره ، وإذا لم يكن متولداً من غيره لم يكن ولداً ، فثبت أن كونه تعالى غنياً من أقوى الدلائل على أنه تعالى لا ولد له ، وهذه الثلاثة مع الثلاثة الأول في غاية القوة . الحجة السادسة : أنه تعالى غني ، وكل من كان غنياً امتنع أن يكون له أب وأم ، وكل من تقدس عن الوالدين وجب أن يكون مقدساً عن الأولاد . فإن قيل : يشكل هذا بالوالد الأول ؟ قلنا : الوالد الأول لا يمتنع كونه ولداً لغيره ، لأنه سبحانه وتعالى قادر على أن يخلق الوالد الأول من أبوين يقدمانه أما الحق سبحانه فإنه يمتنع افتقاره إلى الأبوين ، وإلا لما كان غنياً مطلقاً . الحجة السابعة : إنه تعالى غني مطلقاً ، وكل من كان غنياً مطلقاً امتنع أن يفتقر في إحداث الأشياء إلى غيره . إذا ثبت هذا فنقول : هذا الولد ، إما أن يكون قديماً أو حادثاً ، فإن كان قديماً فهو واجب الوجود لذاته ، إذ لو كان ممكن الوجود لافتقر إلى المؤثر ، وافتقار القديم إلى المؤثر يقتضي إيجاد الموجود وهو محال ، وإذا كان واجب الوجود لذاته لم يكن ولداً لغيره ، بل كان موجوداً مستقلاً بنفسه ، وأما إن كان هذا الولد حادثاً والحق سبحانه غني مطلقاً فكان قادراً على إحداثه ابتداء من غير تشريك شيء آخر ، فكان هذا عبداً مطلقاً ، ولم يكن ولداً ، فهذه جملة الوجوه المستنبطة من قوله : { هُوَ ٱلْغَنِىُّ } الدالة على أنه يمتنع أن يكون له ولد . أما قوله : { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } فاعلم أنه نظير قوله : { إِن كُلُّ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ إِلاَّ اتِى ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً } [ مريم : 93 ] وحاصله يرجع إلى أن ما سوى الواحد الأحد الحق ممكن ، وكل ممكن محتاج ، وكل محتاج محدث ، فكل ما سوى الواحد الأحد الحق محدث ، والله تعالى محدثه وخالقه وموجده وذلك يدل على فساد القول بإثبات الصاحبة والولد ، ولما بين تعالى بالدليل الواضح امتناع ما أضافوا إليه ، عطف عليهم بالإنكار والتوبيخ فقال : { إِنْ عِندَكُمْ مّن سُلْطَانٍ بِهَـٰذَا } منبهاً بهذا على أنه لا حجة عندهم في ذلك ألبتة . ثم بالغ في ذلك الإنكار فقال : { أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } وقد ذكرنا أن هذه الآية يحتج بها في إبطال التقليد في أصول الديانات ونفاة القياس وأخبار الآحاد قد يحتجون بها في إبطال هذين الأصلين وقد سبق الكلام فيه .