Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 100, Ayat: 1-1)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أن الضبح أصوات أنفاس الخيل إذا عدت ، وهو صوت ليس بصهيل ولا حمحمة ، ولكنه صوت نفس ، ثم اختلفوا في المراد بالعاديات على قولين : الأول : ما روى عن علي عليه السلام وابن مسعود أنها الإبل ، وهو قول إبراهيم والقرظي روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : « بينا أنا جالس في الحجر إذ أتاني رجل فسألني عن العاديات ضبحاً ، ففسرتها بالخيل فذهب إلى علي عليه السلام وهو تحت سقاية زمزم فسأله وذكر له ما قلت ، فقال : ادعه لي فلما وقفت على رأسه ، قال : تفتي الناس بما لا علم لك به ، والله إن كانت لأول غزوة في الإسلام بدر وما كان معنا إلا فرسان فرس للزبير وفرس للمقداد والعـاديـات ضبحاً الإبل من عرفة إلى مزدلفة ، ومن المزدلفة إلى منى ، يعني إبل الحاج ، قال ابن عباس : فرجعت عن قولي إلى قول علي عليه السلام » ويتأكد هذا القول بما روى أبي في فضل السورة مرفوعاً : « من قرأها أعطي من الأجر بعدد من بات بالمزدلفة وشهد جمعاً » وعلى هذا القول : { فَٱلمُورِيَـٰتِ قَدْحاً } أن الحوافر ترمى بالحجر من شدة العدو فتضرب به حجراً آخر فتورى النار أو يكون المعنى الذين يركبون الإبل وهم الحجيج إذا أوقدوا نيرانهم بالمزدلفة { فَٱلْمُغِيرٰتِ } الإغارة سرعة السير وهم يندفعون صبيحة يوم النحر مسرعين إلى منى { فَأَثَرْنَ بِهِ نَفْعاً } يعني غباراً بالعدو وعن محمد بن كعب النقع ما بين المزدلفة إلى منى { فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً } يعني مزدلفة لأنها تسمى الجمع لاجتماع الحاج بها ، وعلى هذا التقدير ، فوجه القسم به من وجوه أحدها : ما ذكرنا من المنافع الكثيرة فيه في قوله : { أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإبِلِ } [ الغاشية : 17 ] وثانيها : كأنه تعريض بالآدمي الكنود فكأنه تعالى يقول : إني سخرت مثل هذا لك وأنت متمرد عن طاعتي وثالثها : الغرض بذكر إبل الحج الترغيب في الحج ، كأنه تعالى يقول : جعلت ذلك الإبل مقسماً به ، فكيف أضيع عملك ! وفيه تعريض لمن يرغب الحج ، فإن الكنود هو الكفور ، والذي لم يحج بعد الوجوب موصوف بذلك ، كما في قوله تعالى : { وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ } إلى قوله : { وَمَن كَفَرَ } [ آل عمران : 97 ] . القول الثاني : قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وعطاء وأكثر المحققين : أنه الخيل ، وروى ذلك مرفوعاً . قال الكلبي : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى أناس من كنانة فمكث ما شاء الله أن يمكث لا يأتيه منهم خبر فتخوف عليها . فنزل جبريل عليه السلام بخبر مسيرها ، فإن جعلنا الألف واللام في : { وَٱلْعَـٰدِيَـٰتِ } للمعهود السابق كان محل القسم خيل تلك السرية ، وإن جعلناهما للجنس كان ذلك قسماً بكل خيل عدت في سبيل الله . واعلم أن ألفاظ هذه الآيات تنادي أن المراد هو الخيل ، وذلك لأن الضبح لا يكون إلا للفرس ، واستعمال هذا اللفظ في الإبل يكون على سبيل الاستعارة ، كما استعير المشافر والحافر للإنسان ، والشفتان للمهر ، والعدول من الحقيقة إلى المجاز بغير ضرورة لا يجوز ، وأيضاً فالقدح يظهر بالحافر مالا يظهر بخف الإبل ، وكذا قوله : { فَٱلْمُغِيرٰتِ صُبْحاً } لأنه بالخيل أسهل منه بغيره ، وقد روينا أنه ورد في بعض السرايا ، وإذا كان كذلك فالأقرب أن السورة مدنية ، لأن الإذن بالقتال كان بالمدينة ، وهو الذي قاله الكلبي : إذا عرفت ذلك فههنا مسائل : المسألة الأولى : أنه تعالى إنما أقسم بالخيل لأن لها في العدو من الخصال الحميدة ما ليس لسائر الدواب ، فإنها تصلح للطلب والهرب والكر والفر ، فإذا ظننت أن النفع في الطلب عدوت إلى الخصم لتفوز بالغنيمة ، وإذا ظننت أن المصلحة في الهرب قدرت على أشد العدو ، ولا شك أن السلامة إحدى الغنيمتين ، فأقسم تعالى بفرس الغازي لما فيه من منافع الدنيا والدين ، وفيه تنبيه على أن الإنسان يجب عليه أن يمسكه لا للزينة والتفاخر ، بل لهذه المنفعة ، وقد نبه تعالى على هذا المعنى في قوله : { وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } [ النحل : 8 ] فأدخل لام التعليل على الركوب وما أدخله على الزينة وإنما قال : { صُبْحاً } لأنه أمارة يظهر به التعب وأنه يبذل كل الوسع ولا يقف عند التعب ، فكأنه تعالى يقول : إنه مع ضعفه لا يترك طاعتك ، فليكن العبد في طاعة مولاه أيضاً كذلك . المسألة الثانية : ذكروا في انتصاب { ضَبْحاً } وجوهاً أحدها : قال الزجاج : والعاديات تضبح ضبحاً وثانيها : أن يكون { وَٱلْعَـٰدِيَـٰتِ } في معنى والضابحات ، لأن الضبح يكون مع العدو ، وهو قول الفراء وثالثها : قال البصريون : التقدير : والعاديات ضابحة ، فقوله : { ضَبْحاً } نصب على الحال .