Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 102, Ayat: 5-7)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم قال تعالى : { كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ } وفيه مسائل : المسألة الأولى : اتفقوا على أن جواب لو محذوف ، وأنه ليس قوله : { لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ } جواب لو ويدل عليه وجهان أحدهما : أن ما كان جواب لو فنفيه إثبات ، وإثباته نفي ، فلو كان قوله : { لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ } جواباً للو لوجب أن لا تحصل هذه الرؤية ، وذلك باطل ، فإن هذه الرؤية واقعة قطعاً ، فإن قيل : المراد من هذه الرؤية رؤيتها بالقلب في الدنيا ، ثم إن هذه الرؤية غير واقعة قلنا : ترك الظاهر خلاف الأصل والثاني : أن قوله : { ثُمَّ لَتُسْـئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } [ التكاثر : 8 ] إخبار عن أمر سيقع قطعاً ، فعطفه على مالا يوجد ولا يقع قبيح في النظم ، واعلم أن ترك الجواب في مثل هذا المكان أحسن ، يقول الرجل للرجل : لو فعلت هذا أي لكان كذا ، قال الله تعالى : { لَوْ يَعْلَمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ } [ الأنبياء : 39 ] ولم يجيء له جواب وقال : { وَلَوْ تَرَى إِذ وُقِفُواْ عَلَىٰ رَبّهِمْ } [ الأنعام : 30 ] إذا عرفت هذا فنقول : ذكروا في جواب لو وجوهاً أحدها : قال الأخفش : لو تعلمون علم اليقين ما ألهاكم التكاثر وثانيها : قال أبو مسلم لو علمتم ماذا يجب عليكم لتمسكتم به أو لو علمتم لأي أمر خلقتم لاشتغلتم به وثالثها : أنه حذف الجواب ليذهب الوهم كل مذهب فيكون التهويل أعظم ، وكأنه قال : لو علمتم علم اليقين لفعلتم مالا يوصف ولا يكتنه ، ولكنكم ضلال وجهلة ، وأما قوله : { لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ } فاللام يدل على أنه جواب قسم محذوف ، والقسم لتوكيد الوعيد ، وأن ما أوعدا به مما لا مدخل فيه للريب وكرره معطوفاً بثم تغليظاً للتهديد وزيادة في التهويل . المسألة الثانية : أنه تعالى أعاد لفظ كلا وهو للزجر ، وإنما حسنت الإعادة لأنه عقبه في كل موضع بغير ما عقب به الموضع الآخر ، كأنه تعالى قال : لا تفعلوا هذا فإنكم تستحقون به من العذاب كذا لا تفعلوا هذا فإنكم تستوجبون به ضرراً آخر ، وهذا التكرير ليس بالمكروه بل هو مرضي عندهم ، وكان الحسن رحمه الله يجعل معنى { كَلاَّ } في هذا الموضع بمعنى حقاً كأنه قيل حقاً : لو تعلمون علم اليقين . المسألة الثالثة : في قوله : { عِلْمَ ٱلْيَقِينِ } وجهان أحدهما : أن معناه علماً يقيناً فأضيف الموصوف إلى الصفة ، كقوله تعالى : { وَلَدَارُ ٱلأَخِرَةِ } [ يوسف : 109 ] وكما يقال : مسجد الجامع وعام الأول والثاني : أن اليقين ههنا هو الموت والبعث والقيامة ، وقد سمي الموت يقيناً في قوله : { وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ } [ الحجر : 99 ] ولأنهما إذا وقعا جاء اليقين ، وزال الشك فالمعنى لو تعلمون علم الموت وما يلقى الإنسان معه وبعده في القبر وفي الآخرة لم يلهكم التكاثر والتفاخر عن ذكر الله ، وقد يقول الإنسان : أنا أعلم علم كذا أي أتحققه ، وفلان يعلم علم الطب وعلم الحساب ، لأن العلوم أنواع فيصلح لذلك أن يقال : علمت علم كذا . المسألة الرابعة : العلم من أشد البواعث على العمل ، فإذا كان وقت العمل أمامه كان وعداً وعظة ، وإن كان بعد وفاة وقت العمل فحينئذ يكون حسرة وندامة ، كما ذكر أن ذا القرنين لما دخل الظلمات وجد خرزاً ، فالذين كانوا معه أخذوا من تلك الخرز فلما خرجوا من الظلمات وجدوها جواهر ، ثم الأخذون كانوا في الغم أي لما لم يأخذوا أكثر مما أخذوا ، والذين لم يأخذوا كانوا أيضاً في الغم ، فهكذا يكون أحوال أهل القيامة . المسألة الخامسة : في الآية تهديد عظيم للعلماء فإنها دلت على أنه لو حصل اليقين بما في التكاثر والتفاخر من الآفة لتركوا التكاثر والتفاخر ، وهذا يقتضي أن من لم يترك التكاثر والتفاخر لا يكون اليقين حاصلاً له فالويل للعالم الذي لا يكون عاملاً ثم الويل له . المسألة السادسة : في تكرار الرؤية وجوه أحدها : أنه لتأكيد الوعيد أيضاً لعل القوم كانوا يكرهون سماع الوعيد فكرر لذلك ونون للتأكيد تقتضي كون تلك الرؤية اضطرارية ، يعني لو خليتم ورأيكم ما رأيتموها لكنكم تحملون على رؤيتها شئتم أم أبيتم وثانيها : أن أولهما الرؤية من البعيد : { إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً } [ الفرقان : 12 ] وقوله : { وَبُرّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ } [ النازعات : 36 ] والرؤية الثانية إذا صاروا إلى شفير النار وثالثها : أن الرؤية الأولى عند الورود والثانية عند الدخول فيها ، قيل : هذا التفسير ليس بحسن لأنه قال : { ثُمَّ لَتُسْـئَلُنَّ } والسؤال يكون قبل الدخول ورابعها : الرؤية الأولى للوعد والثانية المشاهدة وخامسها : أن يكون المراد لترون الجحيم غير مرة فيكون ذكر الرؤية مرتين عبارة عن تتابع الرؤية واتصالها لأنهم مخلدون في الجحيم فكأنه قيل لهم : على جهة الوعيد ، لئن كنتم اليوم شاكين فيها غير مصدقين بها فسترونها رؤية دائمة متصلة فتزول عنكم الشكوك وهو كقوله : { مَّا تَرَىٰ فِى خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَـٰوُتٍ } - إلى قوله - { ثمَ ٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ } [ الملك : 3 ، 4 ] بمعنى لو أعدت النظر فيها ما شئت لم تجد فطوراً ولم يرد مرتين فقط ، فكذا ههنا ، إن قيل : ما فائدة تخصيص الرؤية الثانية باليقين ؟ قلنا : لأنهم في المرة الأولى رأوا لهباً لا غير ، وفي المرة الثانية رأوا نفس الحفرة وكيفية السقوط فيها وما فيها من الحيوانات المؤذية ، ولا شك أن هذه الرؤية أجلى ، والحكمة في النقل من العلم الأخفى إلى الأجلى التفريع على ترك النظر لأنهم كانوا يقتصرون على الظن ولا يطلبون الزيادة . المسألة السابعة : قراءة العامة لترون بفتح التاء ، وقرىء بضمها من رأيته الشيء ، والمعنى أنهم يحشرون إليها فيرونها ، وهذه القراءة تروى عن ابن عامر والكسائي كأنهما أرادا لترونها فترونها ، ولذلك قرأ الثانية : { ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا } بالفتح ، وفي هذه الثانية دليل على أنهم إذا أروها رأوها وفي قراءة العامة الثانية تكرير للتأكيد ولسائر الفوائد التي عددناها ، واعلم أن قراءة العامة أولى لوجهين الأول : قال الفراء : قراءة العامة أشبه بكلام العرب لأنه تغليظ ، فلا ينبغي أن الجحيم لفظه الثاني : قال أبو علي المعنى في : { لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ } لترون عذاب الجحيم ، ألا ترى أن الجحيم يراها المؤمنون أيضاً بدلالة قوله : { وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } [ مريم : 71 ] وإذا كان كذلك كان الوعيد في رؤية عذابها لا في رؤية نفسها يدل على هذا قوله : { إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ } [ البقرة : 165 ] وقوله : { وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلْعَذَابَ } [ النحل : 85 ] وهذا يدل على أن لترون أرجح من لترون .