Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 104, Ayat: 1-1)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه مسائل : المسألة الأولى : الويل لفظة الذم والسخط ، وهي كلمة كل مكروب يتولون فيدعو بالويل وأصله وي لفلان ثم كثرت في كلامهم فوصلت باللام ، وروي أنه جبل في جهنم إن قيل : لم قال : ههنا : { وَيْلٌ } وفي موضع آخر : { وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ } [ الأنبياء : 18 ] ؟ قلنان : لأن ثمة قالوا : { يا ويلنا إِنَّا كُنَّا ظَـٰلِمِينَ } [ الأنبياء : 14 ] فقال : { وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ } وههنا نكر لأنه لا يعلم كنهه إلا الله ، وقيل : في ويل إنها كلمة تقبيح ، وويس استصغار وويح ترحم ، فنبه بهذا على قبح هذا الفعل ، واختلفوا في الوعيد الذي في هذه السورة هل يتناول كل من يتمسك بهذه الطريقة في الأفعال الرديئة أو هو مخصوص بأقوام معينين ، أما المحققون فقالوا : إنه عام لكل من يفعل هذا الفعل كائناً من كان وذلك لأن خصوص السبب لا يقدح في عموم اللفظ وقال آخرون : إنه مختص بأناس معينين ، ثم قال عطاء والكلبي : نزلت في الأخنس بن شريق كان يلمز الناس ويغتابهم وخاصة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال مقاتل : نزلت في الوليد بن المغيرة كان يغتاب النبي صلى الله عليه وسلم من ورائه ويطعن عليه في وجهه ، وقال محمد بن إسحاق : ما زلنا نسمع أن هذه السورة نزلت في أمية بن خلف ، قال الفراء : وكون اللفظ عاماً لا ينافي أن يكون المراد منه شخصاً معيناً ، كما أن إنساناً لو قال لك لا أزورك أبداً فتقول : أنت كل من لم يزرني لا أزوره وأنت إنما تريده بهذه الجملة العامة وهذا هو المسمى في أصول الفقه بتخصيص العام بقرينة العرف . المسألة الثانية : الهمز الكسر قال تعالى : { هَمَّازٍ مَّشَّاء } [ القلم : 11 ] واللمز الطعن والمراد الكسر من أعراض الناس والغض منهم والطعن فيهم ، قال تعالى : { وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنفُسَكُمْ } [ الحجرات : 11 ] وبناء فعله يدل على أن ذلك عادة منه قد ضري بها ونحوهما اللعنة والضحكة ، وقرىء : { وَيْلٌ لّكُلّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } بسكون الميم وهي المسخرة التي تأتي بالأوابد والأضاحيك فيضحك منه ويشتم وللمفسرين ألفاظاً أحدها : قال ابن عباس : الهمزة المغتاب ، واللمزة العياب وثانيها : قال أبو زيد : الهمزة باليد واللمزة باللسان وثالثها : قال أبو العالية : الهمزة بالمواجهة واللمزة بظهر الغيب ورابعها : الهمزة جهراً واللمزة سراً بالحاجب والعين وخامسها : الهمزة واللمزة الذي يلقب الناس بما يكرهون وكان الوليد بن المغيرة يفعل ذلك ، لكنه لا يليق بمنصب الرياسة إنما ذلك من عادة السقاط ويدخل فيه من يحاكي الناس بأقوالهم وأفعالهم وأصواتهم ليضحكوا . وقد حكى الحكم بن العاص مشية النبي صلى الله عليه وسلم فنفاه عن المدينة ولعنه وسادسها : قال الحسن : الهمزة الذي يهمز جليسه يكسر عليه عينه واللمزة الذي يذكر أخاه بالسوء ويعيبه وسابعها : عن أبي الجوزاء قال : قلت لابن عباس : { وَيْلٌ لّكُلّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } من هؤلاء الذين يذمهم الله بالويل فقال : هم المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الناعتون للناس بالعيب . واعلم أن جميع هذه الوجوه متقاربة راجعة إلى أصل واحد وهو الطعن وإظهار العيب ، ثم هذا على قسمين فإنه إما أن يكون بالجد كما يكون عند الحسد والحقد ، وإما أن يكون بالهزل كما يكون عند السخرية والإضحاك ، وكل واحد من القسمين ، إما أن يكون في أمر يتعلق بالدين ، وهو ما يتعلق بالصورة أو المشي ، أو الجلوس وأنواعه كثيرة وهي غير مضبوطة ، ثم إظهار العيب في هذه الأقسام الأربعة قد يكون لحاضر ، وقد يكون لغائب ، وعلى التقديرين فقد يكون باللفظ ، وقد يكون بإشارة الرأس والعين وغيرهما ، وكل ذلك داخل تحت النهي والزجر ، إنما البحث في أن اللفظ بحسب اللغة موضوع لماذا ، فما كان اللفظ موضوعاً له كان منهياً بحسب اللفظ ، ومالم يكن اللفظ موضوعاً له كان داخلاً تحت النهي بحسب القياس الجلي ، ولما كان الرسول أعظم الناس منصباً في الدين كان الطعن فيه عظيماً عند الله ، فلا جرم قال : { وَيْلٌ لّكُلّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } .