Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 107, Ayat: 2-3)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم قال تعالى : { فَذَلِكَ ٱلَّذِى يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ * وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } . واعلم أنه تعالى ذكر في تعريف من يكذب الدين وصفين أحدهما : من باب الأفعال وهو قوله : { فَذَلِكَ ٱلَّذِى يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ } والثاني : من باب التروك وهو قوله : { وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } والفاء في قوله { فذلك } للسببية أي لما كان كافراً مكذباً كان كفره سبباً لدع اليتيم ، وإنما اقتصر عليهما على معنى أن الصادر عمن يكذب بالدين ليس إلا ذلك ، لأنا نعلم أن المكذب بالدين لا يقتصر على هذين بل على سبيل التمثيل ، كأنه تعالى ذكر في كل واحد من القسمين مثالاً واحداً تنبيهاً بذكره على سائر القبائح ، أو لأجل أن هاتين الخصلتين ، كماأنهما قبيحان منكران بحسب الشرع فهما أيضاً مستنكران بحسب المروءة والإنسانية ، أما قوله : { يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ } فالمعنى أنه يدفعه بعنف وجفوة كقوله : { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } [ الطور : 13 ] وحاصل الأمر في دع اليتيم أمور أحدها : دفعه / عن حقه وماله بالظلم والثاني : ترك المواساة معه ، وإن لم تكن المواساة واجبة . وقد يذم المرء بترك النوافل لاسيما إذا أسند إلى النفاق وعدم الدين والثالث : يزجره ويضربه ويستخف به ، وقرىء يدع أي يتركه ، ولا يدعوه بدعوة ، أي يدعوا جميع الأجانب ويترك اليتيم مع أنه عليه الصلاة والسلام قال : " " ما من مائدة أعظم من مائدة عليها يتيم " " وقرىء يدعو اليتيم أي يدعوه رياء ثم لا يطعمه وإنما يدعوه استخداماً أو قهراً أو استطالة . واعلم أن في قوله : { يَدُعُّ } بالتشديد فائدة ، وهي أن يدع بالتشديد معناه أنه يعتاد ذلك فلا يتناول الوعيد من وجد منه ذلك وندم عليه ، ومثله قوله تعالى : { ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَـٰئِرَ ٱلإثْمِ وَٱلْفَوٰحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ } [ النجم : 32 ] سمى ذنب المؤمن لمماً لأنه كالطيف والخيال يطرأ ولا يبقى ، لأن المؤمن كما يفرغ من الذنب يندم ، إنما المكذب هو الذي يصر على الذنب . أما قوله : { وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } ففيه وجهان أحدهما : أنه لا يحض نفسه على طعام المسكين وإضافة الطعام إلى المسكين تدل على أن ذلك الطعام حق المسكين ، فكأنه منع المسكين مما هو حقه ، وذلك يدل على نهاية بخله وقساوة قلبه وخساسة طبعه والثاني : لا يحض غيره على إطعام ذلك المسكين بسبب أنه لا يتقد في ذلك الفعل ثواباً ، والحاصل أنه تعالى جعل علم التكذيب بالقيامة الإقدام على إيذاء الضعيف ومنع المعروف ، يعني أنه لو آمن بالجزاء وأيقن بالوعيد لما صدر عنه ذلك ، فموضع الذنب هو التكذيب بالقيامة ، وههنا سؤالان : السؤال الأول : أليس قد لا يحض المرء في كثير من الأحوال ولا يكون آثماً ؟ الجواب : لأنه غيره ينوب منابه أو لأنه لا يقبل قوله أو لمفسدة أخرى يتوقعها ، أما ههنا فذكر أنه لا يفعل ذلك إلا لما أنه مكذب بالدين . السؤال الثاني : لم لم يقل : ولا يطعم المسكين ؟ والجواب : إذا منع اليتيم حقه فكيف يطعم المسكين من مال نفسه ، بل هو بخيل من مال غيره ، وهذا هو النهاية في الخسة ، فلأن يكون بخيلاً بمال نفسه أولى ، وضده في مدح المؤمنين : { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْمَرْحَمَةِ } [ البلد : 17 ] { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ } [ العصر : 3 ]