Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 107, Ayat: 7-7)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم لما شرح أمر الصلاة أعقبه بذكر الصلاة فقال : { وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ } وفيه أقوال : الأول : وهو قول أبي بكر وعلي وابن عباس وابن الحنفية وابن عمر والحسن وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة والضحاك : هو الزكاة ، وفي حديث أبي : " " من قرأ سورة أَرَأَيْتَ غفر الله له إن كان للزكاة مؤدياً " " وذلك يوهم أن ٱلْمَاعُونَ هو الزكاة ، ولأن الله تعالى ذكره عقيب الصلاة ، فالظاهر أن يكون ذلك هو الزكاة والقول الثاني : وهو قول أكثر المفسرين ، أن ٱلْمَاعُونَ اسم لما لا يمنع في العادة ويسأله الفقير والغني ، ينسب مانعه إلى سوء الخلق ولؤم الطبيعة كالفأس والقدر والدلو والمقدحة والغربال والقدوم ، ويدخل فيه الملح والماء والنار . فإنه روي : " " ثلاثة لا يحل منعها ، الماء والنار والملح " " ومن ذلك أن يلتمس جارك أن يخبز في تنورك ، أو يضع متاعه عندك يوماً أو نصف يوم ، وأصحاب هذا القول قالوا : الماعون فاعول من المعن . وهو الشيء القليل ومنه ماله سعته ولا معنة أي كثير ولا قليل ، وسميت الزكاة ماعوناً ، لأنه يؤخذ من المال ربع العشر ، فهو قليل من كثير ، ويسمى ما يستعار في العرف كالفأس والشفرة ماعوناً ، وعلى هذا التقدير يكون معنى الآية الزجر عن البخل بهذه الأشياء القليلة ، فإن البخل بها يكون في نهاية الدناءة والركاكة ، والمنافقون كانوا كذلك ، لقوله تعالى : { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ } [ النساء : 37 ] وقال : { مَّنَّاعٍ لّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } [ القلم : 12 ] قال العلماء : ومن الفضائل أن يستكثر الرجل في منزله مما يحتاج إليه الجيران ، فيعيرهم ذلك ولا يقتصر على الواجب والقول الثالث : قال الفراء : سمعت بعض العرب يقول : الماعون هو الماء وأنشدني فيه : @ يمـج بعيـره الماعـون مجـاً @@ ولعله خصه بذلك لأن أعز مفقود وأرخص موجود ، وأول شيء يسأله أهل النار الماء ، كما قال : { أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَاء } [ الأعراف : 50 ] وأول لذة يجدها أهل الجنة هو الماء ، كما قال : { وَسَقَـٰهُمْ رَبُّهُمْ } [ الإنسان : 21 ] القول الرابع : ٱلْمَاعُونَ حسن الانقياد ، يقال : رض بعيرك حتى يعطيك الماعون ، أي حتى يعطيك الطاعة . واعلم أن الأولى أن يحمل على كل طاعة يخف فعلها لأنه أكثر فائدة ، ثم قال المحققون في الملاءمة : بين قوله : { يُرَاءونَ } وبين قوله : { وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ } كأنه تعالى يقول الصلاة لي والماعون للخلق ، فما يجب جعله لي يعرضونه على الخلق وما هو حق الخلق يسترونه عنهم فكأنه لا يعامل الخلق والرب إلا على العكس فَانٍ قِيلَ لم لم يذكر الله اسم الكافر بعينه ؟ فإن قلت للستر عليه ، قلت لم لم يستر على آدم بل قال : { وَعَصَىٰ ءادَمَ رَبَّهُ } [ طه : 121 ] ؟ والجواب : أنه تعالى ذكر زلة آدم لكن بعد موته مقروناً بالتوبة ليكون لطفاً لأولاده ، أنه أخرج من الجنة بسبب الصغيرة فكيف يطمعون في الدخول مع الكبيرة ، وأيضاً فإن وصف تلك الزلة رفعة له فإنه رجل لم يصدر عنه إلا تلك الزلة الواحدة ثم تاب عنها مثل هذه التوبة . ولنختم تفسير هذه السورة بالدعاء : إلهنا ، هذه السورة في ذكر المنافقين والسورة التي بعدها في صفة محمد صلى الله عليه وسلم فنحن وإن لم نصل في الطاعة إلى محمد عليه الصلاة والسلام وإلى أصحابه ، لم نصل في الأفعال القبيحة إلى هؤلاء المنافقين ، فاعف عنا بفضلك يا أرحم الراحمين ، وصلى الله على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم .