Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 18-19)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أن الكفار كانت لهم عادات كثيرة وطرق مختلفة ، فمنها شدة حرصهم على الدنيا ورغبتهم في تحصيلها ، وقد أبطل الله هذه الطريقة بقوله : { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا } [ هود : 15 ] إلى آخر الآية ، ومنها أنهم كانوا ينكرون نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويقدحون في معجزاته ، وقد أبطل الله تعالى بقوله : { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ } [ هود : 17 ] ومنها أنهم كانوا يزعمون في الأصنام أنها شفعاؤهم عند الله ، وقد أبطل الله تعالى ذلك بهذه الآية ، وذلك لأن هذا الكلام افتراء على الله تعالى ، فلما بين وعيد المفترين على الله ، فقد دخل فيه هذا الكلام . واعلم أن قوله : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } إنما يورد في معرض المبالغة . وفيه دلالة على أن الافتراء على الله تعالى أعظم أنواع الظلم . ثم إنه تعالى بين وعيد هؤلاء بقوله : { أُوْلَـئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبّهِمْ } وما وصفهم بذلك لأنهم مختصون بذلك العرض ، لأن العرض عام في كل العباد كما قال : { وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبّكَ صَفَّا } [ الكهف : 48 ] وإنما أراد به أنهم يعرضون فيفتضحون بأن يقول الأشهاد عند عرضهم { هَـؤُلاء ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبّهِمْ } فحصل لهم من الخزي والنكال مالا مزيد عليه ، وفيه سؤالات : السؤال الأول : إذا لم يجز أن يكون الله تعالى في مكان ، فكيف قال : { يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبّهِمْ } والجواب : أنهم يعرضون على الأماكن المعدة للحساب والسؤال ، ويجوز أيضاً أن يكون ذلك عرضاً على من شاء الله من الخلق بأمر الله من الملائكة والأنبياء والمؤمنين . السؤال الثاني : من الأشهاد الذين أضيف إليهم هذا القول ؟ الجواب قال مجاهد : هم الملائكة الذين كانوا يحفظون أعمالهم عليهم في الدنيا . وقال قتادة ومقاتل : { ٱلأَشْهَـٰدُ } الناس كما يقال على رؤوس الأشهاد ، يعني على رؤوس الناس . وقال الآخرون : هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . قال الله تعالى : { فَلَنَسْـئَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْـئَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ الأعراف : 6 ] والفائدة في اعتبار قول الأشهاد المبالغة في إظهار الفضيحة . السؤال الثالث : الأشهاد جمع فما واحده ؟ والجواب : يجوز أن يكون جمع شاهد مثل صاحب وأصحاب ، وناصر وأنصار ، ويجوز أن يكون جمع شهيد مثل شريف وأشراف . قال أبو علي الفارسي : وهذا كأنه أرجح ، لأن ما جاء من ذلك في التنزيل جاء على فعيل ، كقوله : { وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } [ البقرة : 143 ] { وجِئْنَا بِك عَلَىٰ هَـؤُلاء شَهِيداً } [ النساء : 41 ] ثم لما أخبر عن حالهم في عذاب القيامة أخبر عن حالهم في الحال فقال : { أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ } وبين أنهم في الحال لملعونون من عند الله ، ثم ذكر من صفاتهم أنهم يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً يعني أنهم كما ظلموا أنفسهم بالتزام الكفر والضلال ، فقد أضافوا إليه المنع من الدين الحق وإلقاء الشبهات ، وتعويج الدلائل المستقيمة ، لأنه لا يقال في العاصي يبغي عوجاً ، وإنما يقال ذلك فيمن يعرف كيفية الاستقامة ، وكيفية العوج بسبب إلقاء الشبهات وتقرير الضلالات . ثم قال : { وَهُمْ بِٱلأَخِرَةِ هُمْ كَـٰفِرُونَ } قال الزجاج : كلمة « هم » كررت على جهة التوكيد لثباتهم في الكفر .