Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 1-1)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
في الآية مسائل : المسألة الأولى : اعلم أن قوله { الر } اسم للسورة وهو مبتدأ . وقوله { كِتَابٌ } خبره ، وقوله : { أُحْكِمَتْ ءايَـٰتُهُ ثم فُصلتْ } صفة للكتاب . قال الزجاج : لا يجوز أن يقال : { الر } مبتدأ ، وقوله : { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءايَـٰتُهُ ثُمَّ فُصّلَتْ } خبر ، لأن { الر } ليس هو الموصوف بهذه الصفة وحده وهذا الاعتراض فاسد ، لأنه ليس من شرط كون الشيء مبتدأ أن يكون خبره محصوراً فيه ، ولا أدري كيف وقع للزجاج هذا السؤال ، ثم إن الزجاج اختار قولاً آخر وهو أن يكون التقدير : الر هذا كتاب أحكمت آياته ، وعندي أن هذا القول ضعيف لوجهين : الأول : أن على هذا التقدير يقع قوله : { الر } كلاماً باطلاً لا فائدة فيه ، والثاني : أنك إذا قلت هذا كتاب ، فقوله : « هذا » يكون إشارة إلى أقرب المذكورات ، وذلك هو قوله : { الر } فيصير حينئذ { الر } مخبراً عنه بأنه كتاب أحكمت آياته ، فيلزمه على هذا القول ما لم يرض به في القول الأول ، فثبت أن الصواب ما ذكرناه . المسألة الثانية : في قوله : { أحكمت آياته } وجوه : الأول : { أحكمت آياته } نظمت نظماً رصيفاً محكماً لا يقع فيه نقص ولا خلل ، كالبناء المحكم المرصف . الثاني : أن الإحكام عبارة عن منع الفساد من الشيء . فقوله : { أحكمت آياته } أي لم تنسخ بكتاب كما نسخت الكتب والشرائع بها . واعلم أن على هذا الوجه لا يكون كل الكتاب محكماً ، لأنه حصل فيه آيات منسوخة ، إلا أنه لما كان الغالب كذلك صح إطلاق هذا الوصف عليه إجراء للحكم الثابت في الغالب مجرى الحكم الثابت في الكل . الثالث : قال صاحب « الكشاف » { أُحْكِمَتْ } يجوز أن يكون نقلاً بالهمزة من حكم بضم الكاف إذا صار حكيماً ، أي جعلت حكيمة ، كقوله : { آيات ٱلْكِتَـٰبِ ٱلْحَكِيمِ } [ يونس : 1 ] الرابع : جعلت آياته محكمة في أمور : أحدها : أن معاني هذا الكتاب هي التوحيد ، والعدل ، والنبوة ، والمعاد ، وهذه المعاني لا تقبل النسخ ، فهي في غاية الإحكام ، وثانيها : أن الآيات الواردة فيه غير متناقضة ، والتناقض ضد الإحكام فإذا خلت آياته عن التناقض فقد حصل الإحكام . وثالثها : أن ألفاظ هذه الآيات بلغت في الفصاحة والجزالة إلى حيث لا تقبل المعارضة ، وهذا أيضاً مشعر بالقوة والإحكام . ورابعها : أن العلوم الدينية إما نظرية وإما عملية . أما النظرية فهي معرفة الإله تعالى ومعرفة الملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر ، وهذا الكتاب مشتمل على شرائف هذه العلوم ولطائفها ، وأما العملية فهي إما أن تكون عبارة عن تهذيب الأعمال الظاهرة وهو الفقه ، أو عن تهذيب الأحوال الباطنة وهي علم التصفية ورياضة النفس ، ولا نجد كتاباً في العالم يساوي هذا الكتاب في هذه المطالب ، فثبت أن هذا الكتاب مشتمل على أشرف المطالب الروحانية وأعلى المباحث الإلهية ، فكان كتاباً محكماً غير قابل للنقض والهدم . وتمام الكلام في تفسير المحكم ذكرناه في تفسير قوله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ مِنْهُ آيَـٰتٌ مُّحْكَمَـٰتٌ } [ آل عمران : 7 ] . المسألة الثالثة : في قوله : { فُصّلَتْ } وجوه : أحدها : أن هذا الكتاب فصل كما تفصل الدلائل بالفوائد الروحانية ، وهي دلائل التوحيد والنبوة والأحكام والمواعظ والقصص . والثاني : أنها جعلت فصولاً سورة سورة ، وآية آية . الثالث : { فُصّلَتْ } بمعنى أنها فرقت في التنزيل وما نزلت جملة واحدة ، ونظيره قوله تعالى : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلْجَرَادَ وَٱلْقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ ءايَـٰتٍ مّفَصَّلاَتٍ } [ الأعراف : 133 ] والمعنى مجيء هذه الآيات متفرقة متعاقبة . الرابع : فصل ما يحتاج إليه العباد أي جعلت مبينة ملخصة . الخامس : جعلت فصولاً حلالاً وحراماً ، وأمثالاً وترغيباً ، وترهيباً ومواعظ ، وأمراً ونهياً لكل معنى فيها فصل ، قد أفرد به غير مختلط بغيره حتى تستكمل فوائد كل واحد منها ، ويحصل الوقوف على كل باب واحد منها على الوجه الأكمل . المسألة الرابعة : معنى { ثُمَّ } في قوله : { ثُمَّ فُصّلَتْ } ليس للتراخي في الوقت ، لكن في الحال كما تقول : هي محكمة أحسن الإحكام ، ثم مفصلة أحسن التفصيل ، وكما تقول : فلان كريم الأصل ثم كريم الفعل . المسألة الخامسة : قال صاحب « الكشاف » : قرىء { أُحْكِمَتْ ءايَـٰتُهُ ثم فُصلتْ } أي أحكمتها أنا ثم فصلتها ، وعن عكرمة والضحاك { ثُمَّ فُصّلَتْ } أي فرقت بين الحق والباطل . المسألة السادسة : احتج الجبائي بهذه الآية على أن القرآن محدث مخلوق من ثلاثة أوجه : الأول : قال المحكم : هو الذي أتقنه فاعله ، ولولا أن الله تعالى يحدث هذا القرآن وإلا لم يصح ذلك لأن الإحكام لا يكون إلا في الأفعال ، ولا يجوز أن يقال : كان موجوداً غير محكم ثم جعله الله محكماً ، لأن هذا يقتضي في بعضه الذي جعله محكماً أن يكون محدثاً ، ولم يقل أحد بأن القرآن بعضه قديم وبعضه محدث . الثاني : أن قوله : { ثُمَّ فُصّلَتْ } يدل على أنه حصل فيه انفصال وافتراق ، ويدل على أن ذلك الانفصال والافتراق إنما حصل بجعل جاعل ، وتكوين مكون ، وذلك أيضاً يدل على المطلوب . الثالث : قوله : { مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } والمراد من عنده ، والقديم لا يجوز أن يقال : إنه حصل من عند قديم آخر ، لأنهما لو كانا قديمين لم يكن القول بأن أحدهما حصل من عند الآخر أولى من العكس . أجاب أصحابنا بأن هذه النعوت عائدة إلى هذه الحروف والأصوات ونحن معترفون بأنها محدثة مخلوقة ، وإنما الذي ندعي قدمه أمر آخر سوى هذه الحروف والأصوات . المسألة السابعة : قال صاحب « الكشاف » قوله : { مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } يحتمل وجوهاً : الأول : أنا ذكرنا أن قوله : { كِتَابٌ } خبر و { أُحْكِمَتْ } صفة لهذا الخبر ، وقوله : { مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } صفة ثانية والتقدير : الر كتاب من لدن حكيم خبير . والثاني : أن يكون خبراً بعد خبر والتقدير : الر من لدن حكيم خبير . والثالث : أن يكون ذلك صفة لقوله : أحكمت . وفصلت أي أحكمت وفصلت من لدن حكيم خبير ، وعلى هذا التقدير فقد حصل بين أول هذه الآية وبين آخرها نكتة لطيفة كأنه يقول أحكمت آياته من لدن حكيم وفصلت من لدن خبير عالم بكيفيات الأمور .