Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 37-37)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
واعلم أن قوله تعالى : { إِنَّهُ لَن يُؤْمِنَ قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ ءامَنَ } [ هود : 36 ] يقتضي تعريف نوح عليه السلام أنه معذبهم ومهلكهم ، فكان يحتمل أن يعذبهم بوجوه التعذيب ، فعرفه الله تعالى أنه يعذبهم بهذا الجنس الذي هو الغرق ، ولما كان السبيل الذي به يحصل النجاة من الغرق تكوين السفينة . لا جرم أمر الله تعالى بإصلاح السفينة وإعدادها ، فأوحى الله تعالى إليه أن يصنعها على مثال جوجؤ الطائر . فإن قيل : قوله تعالى : { وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ } أمر إيجاب أو أمر إباحة . قلنا : الأظهر أنه أمر إيجاب ، لأنه لا سبيل له إلى صون روح نفسه وأرواح غيره عن الهلاك إلا بهذا الطريق وصون النفس عن الهلاك واجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، ويحتمل أن لا يكون ذلك الأمر أمر إيجاب بل كان أمر إباحة ، وهو بمنزلة أن يتخذ الإنسان لنفسه داراً ليسكنها ويقيم بها . أما قوله : { بِأَعْيُنِنَا } فهذا لا يمكن أجراؤه على ظاهره من وجوه : أحدها : أنه يقتضي أن يكون لله تعالى أعين كثيرة . وهذا يناقض ظاهر قوله تعالى : { وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِى } [ طه : 39 ] وثانيها : أنه يقتضي أن يصنع نوح عليه السلام ذلك الفلك بتلك الأعين ، كما يقال : قطعت بالسكين ، وكتبت بالقلم ، ومعلوم أن ذلك باطل . وثالثها : أنه ثبت بالدلائل القطعية العقلية كونه تعالى منزهاً عن الأعضاء والجوارح والأجزاء والأبعاض ، فوجب المصير فيه إلى التأويل ، وهو من وجوه : الأول : أن معنى { بِأَعْيُنِنَا } أي بعين الملك الذي كان يعرفه كيف يتخذ السفينة ، يقال فلان عين على فلان نصب عليه ليكون منفحصاً عن أحواله ولا تحول عنه عينه . الثاني : أن من كان عظيم العناية بالشيء فإنه يضع عينه عليه ، فلما كان وضع العين على الشيء سبباً لمبالغة الاحتياط والعناية جعل العين كناية عن الاحتياط ، فلهذا قال المفسرون معناه بحفظنا إياك حفظ من يراك ويملك دفع السوء عنك ، وحاصل الكلام أن إقدامه على عمل السفينة مشروط بأمرين أحدهما : أن لا يمنعه أعداؤه عن ذلك العمل . والثاني : أن يكون عالماً بأنه كيف ينبغي تأليف السفينة وتركيبها ودفع الشر عنه ، وقوله : { وَوَحْيِنَا } إشارة إلى أنه تعالى يوحي إليه أنه كيف ينبغي عمل السفينة حتى يحصل منه المطلوب . وأما قوله : { وَلاَ تُخَـٰطِبْنِى فِى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُمْ مغرقون } ففيه وجوه : الأول : يعني لا تطلب مني تأخير العذاب عنهم فإني قد حكمت عليهم بهذا الحكم ، فلما علم نوح عليه السلام ذلك دعا عليهم بعد ذلك وقال : { رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ دَيَّاراً } [ نوح : 26 ] الثاني : { وَلاَ تُخَـٰطِبْنِى } في تعجيل ذلك العقاب على الذين ظلموا ، فإني لما قضيت إنزال ذلك العذاب في وقت معين كان تعجيله ممتنعاً ، الثالث : المراد بالذين ظلموا امرأته وابنه كنعان .