Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 49-49)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
واعلم أنه تعالى لما شرح قصة نوح عليه السلام على التفصيل قال : { تِلْكَ } أي تلك الآيات التي ذكرناها ، وتلك التفاصيل التي شرحناها من أنباء الغيب ، أي من الأخبار التي كانت غائبة عن الخلق فقوله : { تِلْكَ } في محل الرفع على الابتداء ، و { مِنْ أَنبَاء ٱلْغَيْبِ } الخبر و { نُوحِيهَا إِلَيْكَ } خبر ثان وما بعده أيضاً خبر ثالث . ثم قال تعالى : { مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ } والمعنى : أنك ما كنت تعرف هذه القصة ، بل قومك ما كانوا يعرفونها أيضاً ، ونظيره أن تقول لإنسان لا تعرف هذه المسألة لا أنت ولا أهل بلدك . فإن قيل : أليس قد كانت قصة طوفان نوح عليه السلام مشهورة عند أهل العلم ؟ قلنا : تلك القصة بحسب الإجمال كانت مشهورة ، أما التفاصيل المذكورة فما كانت معلومة . ثم قال : { فَٱصْبِرْ إِنَّ ٱلْعَـٰقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ } والمعنى : يا محمد اصبر أنت وقومك على أذى هؤلاء الكفار كما صبر نوح وقومه على أذى أولئك الكفار ، وفيه تنبيه على أن الصبر عاقبته النصر والظفر والفرح والسرور كما كان لنوح عليه السلام ولقومه . فإن قال قائل : إنه تعالى ذكر هذه القصة في سورة يونس ثم إنه أعادها ههنا مرة أخرى ، فما الفائدة في هذا التكرير ؟ قلنا : إن القصة الواحدة قد ينتفع بها من وجوه : ففي السورة الأولى كان الكفار يستعجلون نزول العذاب ، فذكر تعالى قصة نوح في بيان أن قومه كانوا يكذبونه بسبب أن العذاب ما كان يظهر ثم في العاقبة ظهر فكذا في واقعة محمد صلى الله عليه وسلم ، وفي هذه السورة ذكر هذه القصة لأجل أن الكفار كانوا يبالغون في الإيحاش ، فذكر الله تعالى هذه القصة لبيان أن إقدام الكفار على الإيذاء والإيحاش كان حاصلاً في زمان نوح ، إلا أنه عليه السلام لما صبر نال الفتح والظفر ، فكن يا محمد كذلك لتنال المقصود ، ولما كان وجه الانتفاع بهذه القصة في كل سورة من وجه آخر لم يكن تكريرها خالياً عن الفائدة .