Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 53-56)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أنه تعالى لما حكى عن هود عليه السلام ما ذكره للقوم ، حكى أيضاً ما ذكره القوم له وهو أشياء : أولها : قولهم : { مَا جِئْتَنَا بِبَيّنَةٍ } أي بحجة ، والبينة سميت بينة لأنها تبين الحق من الباطل ، ومن المعلوم أنه عليه السلام كان قد أظهر المعجزات إلا أن القوم بجهلهم أنكروها ، وزعموا أنه ما جاء بشيء من المعجزات . وثانيها : قولهم : { وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِى ءالِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ } وهذا أيضاً ركيك ، لأنهم كانوا يعترفون بأن النافع والضار هو الله تعالى وأن الأصنام لا تنفع ولا تضر ، ومتى كان الأمر كذلك فقد ظهر في بديهة العقل أنه لا تجوز عبادتها وتركهم آلهتهم لا يكون عن مجرد قوله بل عن حكم نظر العقل وبديهة النفس . وثالثها : قوله : { وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } وهذا يدل على الإصرار والتقليد والجحود . ورابعها : قولهم : { إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ ءالِهَتِنَا بِسُوء } يقال : اعتراه كذا إذا غشيه وأصابه . والمعنى : أنك شتمت آلهتنا فجعلتك مجنوناً وأفسدت عقلك ، ثم إنه تعالى ذكر أنهم لما قالوا ذلك قال هود عليه السلام : { إِنِى أُشْهِدُ ٱللَّهِ وَٱشْهَدُواْ أَنّى بَرِىء مّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ } وهو ظاهر . ثم قال : { فَكِيدُونِى جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ } وهذا نظير ما قاله نوح عليه السلام لقومه : { فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ } [ يونس : 71 ] إلى قوله : { وَلاَ تُنظِرُونَ } [ يونس : 71 ] . واعلم أن هذا معجزة قاهرة ، وذلك أن الرجل الواحد إذا أقبل على القوم العظيم وقال لهم : بالغوا في عداوتي وفي موجبات إيذائي ولا تؤجلون فإنه لا يقول هذا إلا إذا كان واثقاً من عند الله تعالى بأنه يحفظه ويصونه عن كمد الأعداء . ثم قال : { مَّا مِن دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ ءاخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا } قال الأزهري : الناصية عند العرب منبت الشعر في مقدم الرأس ويسمى الشعر النابت هناك ناصية باسم منبته . واعلم أن العرب إذا وصفوا إنساناً بالذلة والخضوع قالوا : ما ناصية فلان إلا بيد فلان ، أي أنه مطيع له ، لأن كل من أخذت بناصيته فقد قهرته ، وكانوا إذا أسروا الأسير فأرادوا إطلاقه والمن عليه جزوا ناصيته ليكون ذلك علامة لقهره فخوطبوا في القرآن بما يعرفون فقوله : { مَّا مِن دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ ءاخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا } أي ما من حيوان إلا وهو تحت قهره وقدرته ، ومنقاد لقضائه وقدره . ثم قال : { إِنَّ رَبّى عَلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } وفيه وجوه : الأول : أنه تعالى لما قال : { مَّا مِن دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ ءاخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا } أشعر ذلك بقدرة عالية وقهر عظيم فأتبعه بقوله : { إِنَّ رَبّى عَلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي أنه وإن كان قادراً عليهم لكنه لا يظلمهم ولا يفعل بهم إلا ما هو الحق والعدل والصواب ، قالت المعتزلة قوله : { مَّا مِن دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ ءاخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا } يدل على التوحيد وقوله : { إِنَّ رَبّى عَلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } يدل على العدل ، فثبت أن الدين إنما يتم بالتوحيد والعدل . والثاني : أنه تعالى لما ذكر أن سلطانه قهر جميع الخلق أتبعه بقوله : { إِنَّ رَبّى عَلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } يعني أنه لا يخفى عليه مستتر ، ولا يفوته هارب ، فذكر الصراط المستقيم وهو يعني به الطريق الذي لا يكون لأحد مسلك إلا عليه ، كما قال : { إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ } [ الفجر : 14 ] الثالث : أن يكون المراد { إِنَّ رَبّى } يدل على الصراط المستقيم ، أي يحث ، أو يحملكم بالدعاء إليه .