Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 6-6)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أنه تعالى لما ذكر في الآية الأولى أنه { يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } أردفه بما يدل على كونه تعالى عالماً بجميع المعلومات ، فثبت أن رزق كل حيوان إنما يصل إليه من الله تعالى ، فلو لم يكن عالماً بجميع المعلومات لما حصلت هذه المهمات ، وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : قال الزجاج : الدابة اسم لكل حيوان ، لأن الدابة اسم مأخوذ من الدبيب ، وبنيت هذه اللفظة على هاء التأنيث ، وأطلق على كل حيوان ذي روح ذكراً كان أو أنثى ، إلا أنه بحسب عرف العرب اختص بالفرس ، والمراد بهذا اللفظ في هذه الآية الموضوع الأصلي اللغوي فيدخل فيه جميع الحيوانات ، وهذا متفق عليه بين المفسرين ، ولا شك أن أقسام الحيوانات وأنواعها كثيرة ، وهي الأجناس التي تكون في البر والبحر والجبال ، والله يحصيها دون غيره ، وهو تعالى عالم بكيفية طبائعها وأعضائها وأحوالها وأغذيتها وسمومها ومساكنها ، وما يوافقها وما يخالفها ، فالإله المدبر لإطباق السموات والأرضين وطبائع الحيوان والنبات ، كيف لا يكون عالماً بأحوالها ؟ روي أن موسى عليه السلام عند نزول الوحي إليه تعلق قلبه بأحوال أهله ، فأمره الله تعالى أن يضرب بعصاه على صخرة فانشقت وخرجت صخرة ثانية ثم ضرب بعصاه عليها فانشقت وخرجت صخرة ثالثة ، ثم ضربها بعصاه فانشقت فخرجت منها دودة كالذرة وفي فمها شيء يجري مجرى الغذاء لها ، ورفع الحجاب عن سمع موسى عليه السلام فسمع الدودة تقول : سبحان من يراني ، ويسمع كلامي ، ويعرف مكاني ، ويذكرني ولا ينساني . المسألة الثانية : تعلق بعضهم بأنه يجب على الله تعالى بعض الأشياء بهذه الآية وقال : إن كلمة على للوجوب ، وهذا يدل على أن إيصال الرزق إلى الدابة واجب على الله . وجوابه : أنه واجب بحسب الوعد والفضل والإحسان . المسألة الثالثة : تعلق أصحابنا بهذه الآية في إثبات أن الرزق قد يكون حراماً ، قالوا لأنه ثبت أن إيصال الرزق إلى كل حيوان واجب على الله تعالى بحسب الوعد وبحسب الاستحقاق ، والله تعالى لا يحل بالواجب ، ثم قد نرى إنساناً لا يأكل من الحلال طول عمره ، فلو لم يكن الحرام رزقاً لكان الله تعالى ما أوصل رزقه إليه ، فيكون تعالى قد أخل بالواجب وذلك محال ، فعلمنا أن الحرام قد يكون رزقاً ، وأما قوله : { وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا } فالمستقر هو مكانه من الأرض والمستودع حيث كان مودعاً قبل الاستقرار في صلب أو رحم أو بيضة ، وقال الفراء : مستقرها حيث تأوي إليه ليلاً أو نهاراً ، ومستودعها موضعها الذي تموت فيه ، وقد مضى استقصاء تفسير المستقر والمستودع في سورة الأنعام ، ثم قال : { كُلٌّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ } قال الزجاج : المعنى أن ذلك ثابت في علم الله تعالى ، ومنهم من قال : في اللوح المحفوظ ، وقد ذكرنا ذلك في قوله : { وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ مُّبِينٍ } [ الأنعام : 59 ] .