Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 78-80)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وفيه مسائل : المسألة الأولى : أنه لما دخلت الملائكة دار لوط عليه السلام مضت امرأته عجوز السوء فقالت لقومه دخل دارنا قوم ما رأيت أحسن وجوهاً ولا أنظف ثياباً ولا أطيب رائحة منهم { فجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ } أي يسرعون ، وبين تعالى أن إسراعهم ربما كان لطلب العمل الخبيث بقوله : { وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيّئَاتِ } نقل أن القوم دخلوا دار لوط وأرادوا أن يدخلوا البيت الذي كان فيه جبريل عليه السلام ، فوضع جبريل عليه السلام يده على الباب ، فلم يطيقوا فتحه حتى كسروه ، فمسح أعينهم بيده فعموا ، فقالوا : يا لوط قد أدخلت علينا السحرة وأظهرت الفتنة . ولأهل اللغة في { يُهْرَعُونَ } قولان : القول الأول : أن هذا من باب ما جاءت صيغة الفاعل فيه على لفظ المفعول ولا يعرف له فاعل نحو : أولع فلان في الأمر ، وأرعد زيد ، وزهى عمرو من الزهو . والقول الثاني : أنه لا يجوز ورود الفاعل على لفظ المفعول ، وهذه الأفعال حذف فاعلوها فتأويل أولع زيد أنه أولعه طبعه وأرعد الرجل أرعده غضبه وزهى عمرو معناه جعله ماله زاهياً وأهرع معناه أهرعه خوفه أو حرصه ، واختلفوا أيضاً فقال بعضهم : الإهراع هو الإسراع مع الرعدة . وقال آخرون : هو العدو الشديد . أما قوله تعالى : { قَالَ يَـا قَوْمٌ هَـؤُلاء بَنَاتِى هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } ففيه قولان : قال قتادة : المراد بناته لصلبه . وقال مجاهد وسعيد بن جبير : المراد نساء أمته لأنهن في أنفسهن بنات ولهن إضافة إليه بالمتابعة وقبول الدعوة . قال أهل النحو : يكفي في حسن الإضافة أدنى سبب ، لأنه كان نبياً لهم فكان كالأب لهم . قال تعالى : { وَأَزْوٰجُهُ أُمَّهَـٰتُهُمْ } [ الأحزاب : 6 ] وهو أب لهم وهذا القول عندي هو المختار ، ويدل عليه وجوه : الأول : أن إقدام الإنسان على عرض بناته على الأوباش والفجار أمر متبعد لا يليق بأهل المروءة فكيف بأكابر الأنبياء ؟ الثاني : وهو أنه قال : { هَـؤُلاء بَنَاتِى هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } فبناته اللواتي من صلبه لا تكفي للجمع العظيم . أما نساء أمته ففيهن كفاية للكل . الثالث : أنه صحت الرواية أنه كان له بنتان ، وهما : زنتا ، وزعوراً ، وإطلاق لفظ البنات على البنتين لا يجوز لما ثبت أن أقل الجمع ثلاثة ، فأما القائلون بالقول الأول فقد اتفقوا على أنه عليه السلام ما دعا القوم إلى الزنا بالنسوان بل المراد أنه دعاهم إلى التزوج بهن ، وفيه قولان : أحدهما : أنه دعاهم إلى التزوج بهن بشرط أن يقدموا الإيمان . والثاني : أنه كان يجوز تزويج المؤمنة من الكافر في شريعته ، وهكذا كان في أول الإسلام بدليل أنه عليه السلام زوج ابنته زينب من أبي العاص بن الربيع وكان مشركاً وزوج ابنته من عتبة بن أبي لهب ثم نسخ ذلك بقوله : { وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَـٰتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ } [ البقرة : 221 ] وبقوله : { وَلاَ تُنكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ } [ البقرة : 221 ] واختلفوا أيضاً ، فقال الأكثرون : كان له بنتان ، وعلى هذا التقدير ذكر الاثنتين بلفظ الجمع ، كما في قوله : { فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ } [ النساء : 11 ] { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } [ التحريم : 4 ] وقيل : إنهن كن أكثر من اثنتين . أما قوله تعالى : { هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } ففيه مسألتان : المسألة الأولى : ظاهر قوله : { هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } يقتضي كون العمل الذي يطلبونه طاهراً ومعلوم أنه فاسد ولأنه لا طهارة في نكاح الرجل ، بل هذا جار مجرى قولنا : الله أكبر ، والمراد أنه كبير ولقوله تعالى : { أَذٰلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ } [ الصافات : 62 ] ولاخير فيها ولما قال أبو سفيان : اعل أحداً واعل هبل قال النبي : " " الله أعلى وأجل " " ولامقاربة بين الله وبين الصنم . المسألة الثانية : روي عن عبد الملك بن مروان والحسن وعيسى بن عمر أنهم قرؤا { هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } بالنصب على الحال كما ذكرنا في قوله تعالى : { وَهَـٰذَا بَعْلِى شَيْخًا } [ هود : 72 ] إلا أن أكثر النحويين اتفقوا على أنه خطأ قالوا لو قرىء { هَـؤُلاء بَنَاتِى هُنَّ أَطْهَرُ } كان هذا نظير قوله : { وَهَـٰذَا بَعْلِى شَيْخًا } إلا أن كلمة « هن » قد وقعت في البين وذلك يمنع من جعل أطهر حالاً وطولوا فيه ، ثم قال : { فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِى ضَيْفِى } وفيه مسائل : المسألة الأولى : قرأ أبو عمرو ونافع ولا تخزوني بإثبات الياء على الأصل ، والباقون بحذفها للتخفيف ودلالة الكسر عليه . المسألة الثانية : في لفظ { لا تخزوني } وجهان : الأول : قال ابن عباس رضي الله عنهما : لا تفضحوني في أضيافي ، يريد أنهم إذا هجموا على أضيافه بالمكروه لحقته الفضيحة . والثاني : لا تخزوني في ضيفي أي لا تخجلوني فيهم ، لأن مضيف الضيف يلزمه الخجالة من كل فعل قبيح يوصل إلى الضيف يقال : خزي الرجل إذا استحيا . المسألة الثالثة : الضيف ههنا قائم مقام الأضياف ، كما قام الطفل مقام الأطفال . في قوله تعالى : { أَوِ ٱلطّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ } [ النور : 31 ] ويجوز أن يكون الضيف مصدراً فيستغنى عن جمعه كما يقال : رجال صوم . ثم قال : { أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ } وفيه قولان : الأول : { رَّشِيدٌ } بمعنى مرشد أي يقول الحق ويرد هؤلاء الأوباش عن أضيافي . والثاني : رشيد بمعنى مرشد ، والمعنى : أليس فيكم رجل أرشده الله تعالى إلى الصلاح . وأسعده بالسداد والرشاد حتى يمنع عن هذا العمل القبيح ، والأول أولى . ثم قال تعالى : { قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِى بَنَاتِكَ مِنْ حَقّ } وفيه وجوه : الأول : مالنا في بناتك من حاجة ولا شهوة ، والتقدير أن من احتاج إلى شيء فكأنه حصل له فيه نوع حق ، فلهذا السبب جعل نفي الحق كناية عن نفي الحاجة . الثاني : أن نجري اللفظ على ظاهره فنقول : معناه إنهن لسن لنا بأزواج ولا حق لنا فيهن ألبتة . ولا يميل أيضاً طبعنا إليهن فكيف قيامهن مقام العمل الذي نريده وهو إشارة إلى العمل الخبيث . الثالث : { مَا لَنَا فِى بَنَاتِكَ مِنْ حَقّ } لأنك دعوتنا إلى نكاحهن بشرط الإيمان ونحن لا نجيبك إلى ذلك فلا يكون لنا فيهن حق . ثم إنه تعالى حكى عن لوط أنه عند سماع هذا الكلام قال : { لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً أَوْ اوِى إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ } وفيه مسألتان : المسألة الأولى : جواب « لو » محذوف لدلالة الكلام عليه والتقدير : لمنعتكم ولبالغت في دفعكم ونظيره قوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّ قرآنا سُيّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ } [ الرعد : 31 ] وقوله : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ } [ الأنعام : 27 ] قال الواحدي وحذف الجواب ههنا لأن الوهم يذهب إلى أنواع كثيرة من المنع والدفع . المسألة الثانية : { لَوْ أَنَّ بِكُمْ قُوَّةً } أي لو أن لي ما أتقوى به عليكم وتسمية موجب القوة بالقوة جائز قال الله تعالى : { وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُم مّن قُوَّةٍ وَمِن رّبَاطِ ٱلْخَيْلِ } [ الأنفال : 60 ] والمراد السلاح ، وقال آخرون القدرة على دفعهم ، وقوله : { أَوْ آوِى إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ } المراد منه الموضع الحصين المنيع تشبيهاً له بالركن الشديد من الجبل . فإن قيل : ما الوجه ههنا في عطف الفعل على الاسم ؟ قلنا : قال صاحب « الكشاف » : قرىء { أَوْ آوِى } بالنصب بإضمار أن ، كأنه قيل لو أن لي بكم قوة أو آوياً . واعلم أن قوله : { لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً أَوْ اوِى إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ } لا بد من حمل كل واحد من هذين الكلامين على فائدة مستقلة ، وفيه وجوه : الأول : المراد بقوله : { لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً } كونه بنفسه قادراً على الدفع وكونه متمكناً إما بنفسه وإما بمعاونة غيره على قهرهم وتأديبهم ، والمراد بقوله : { أَوْ آوِى إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ } هو أن لا يكون له قدرة على الدفع لكنه يقدر على التحصن بحصن ليأمن من شرهم بواسطته . الثالث : أنه لما شاهد سفاهة القوم وإقدامهم على سوء الأدب تمنى حصول قوة قوية على الدفع ، ثم استدرك على نفسه وقال : بلى الأولى أن آوى إلى ركن شديد وهو الاعتصام بعناية الله تعالى ، وعلى هذا التقدير فقوله : { أَوْ اوِى إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ } كلام منفصل عما قبله ولا تعلق له به ، وبهذا الطريق لا يلزم عطف الفعل على الاسم ، ولذلك قال النبي عليه السلام : " " رحم الله أخي لوطاً كان يأوي إلى ركن شديد " . "