Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 82-83)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
في الآية مسائل : المسألة الأولى : في الأمر وجهان : الأول : أن المراد من هذا الأمر ما هو ضد النهي ويدل عليه وجوه : الأول : أن لفظ الأمر حقيقة في هذا المعنى مجاز في غيره دفعاً للاشتراك . الثاني : أن الأمر لا يمكن حمله ههنا على العذاب ، وذلك لأنه تعالى قال : { فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَـٰلِيَهَا سَافِلَهَا } وهذا الجعل هو العذاب ، فدلت هذه الآية على أن هذا الأمر شرط والعذاب جزاء ، والشرط غير الجزاء ، فهذا الأمر غير العذاب ، وكل من قال بذلك قال إنه هو الأمر الذي هو ضد النهي . والثالث : أنه تعالى قال : قبل هذه الآية { إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ } [ هود : 70 ] فدل هذا على أنهم كانوا مأمورين من عند الله تعالى بالذهاب إلى قوم لوط وبإيصال هذا العذاب إليهم . إذا عرفت هذا فنقول : إنه تعالى أمر جمعاً من الملائكة بأن يخربوا تلك المدائن في وقت معين ، فلما جاء ذلك الوقت أقدموا على ذلك العمل ، فكان قوله : { فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا } إشارة إلى ذلك التكليف . فإن قيل : لو كان الأمر كذلك ، لوجب أن يقال : فلما جاء أمرنا جعلوا عاليها سافلها ، لأن الفعل صدر عن ذلك المأمور . قلنا : هذا لا يلزم على مذهبنا ، لأن فعل العبد فعل الله تعالى عندنا . وأيضاً أن الذي وقع منهم إنما وقع بأمر الله تعالى وبقدرته ، فلم يبعد إضافته إلى الله عز وجل ، لأن الفعل كما تحسن إضافته إلى المباشر ، فقد تحسن أيضاً إضافته إلى السبب . القول الثاني : أن يكون المراد من الأمر ههنا قوله تعالى : { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْء إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ النحل : 40 ] وقد تقدم تفسير ذلك الأمر . القول الثالث : أن يكون المراد من الأمر العذاب وعلى هذا التقدير فيحتاج إلى الإضمار ، والمعنى : ولما جاء وقت عذابنا جعلنا عاليها سافلها . المسألة الثانية : اعلم أن ذلك العذاب قد وصفه الله تعالى في هذه الآية بنوعين من الوصف فالأول : قوله : { جَعَلْنَا عَـٰلِيَهَا سَافِلَهَا } روي أن جبريل عليه السلام أدخل جناحه الواحد تحت مدائن قوم لوط وقلعها وصعد بها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نهيق الحمير ونباح الكلاب وصياح الديوك ، ولم تنكفىء لهم جرة ولم ينكب لهم إناء ، ثم قلبها دفعة واحدة وضربها على الأرض . واعلم أن هذا العمل كان معجزة قاهرة من وجهين : أحدهما : أن قلع الأرض وإصعادها إلى قريب من السماء فعل خارق للعادات . والثاني : أن ضربها من ذلك البعد البعيد على الأرض بحيث لم تتحرك سائر القرى المحيطة بها ألبتة ، ولم تصل الآفة إلى لوط عليه السلام وأهله مع قرب مكانهم من ذلك الموضع معجزة قاهرة أيضاً . الثاني : قوله : { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ } واختلفوا في السجيل على وجوه : الأول : أنه فارسي معرب وأصله سنككل وأنه شيء مركب من الحجر والطين بشرط أن يكون في غاية الصلابة ، قال الأزهري : لماعربته العرب صار عربياً وقد عربت حروفاً كثيرة كالديباج والديوان والاستبرق . والثاني : سجيل ، أي مثل السجل وهو الدلو العظيم . والثالث : سجيل ، أي شديد من الحجارة . الرابع : مرسلة عليهم من أسجلته إذا أرسلته وهو فعيل منه . الخامس : من أسجلته ، أي أعطيته تقديره مثل العطية في الإدرار ، وقيل : كان كتب عليها أسامي المعذبين . السادس : وهو من السجل وهو الكتاب تقديره من مكتوب في الأزل أي كتب الله أن يعذبهم بها ، والسجيل أخذ من السجل وهو الدلو العظيمة لأنه يتضمن أحكاماً كثيرة ، وقيل : مأخوذ من المساجلة وهي المفاخرة . والسابع : من سجيل أي من جهنم أبدلت النون لاماً ، والثامن : من السماء الدنيا ، وتسمى سجيلاً عن أبي زيد ، والتاسع : السجيل الطين ، لقوله تعالى : { حِجَارَةً مّن طِينٍ } [ الذاريات : 33 ] وهو قول عكرمة وقتادة . قال الحسن كان أصل الحجر هو من الطين ، إلا أنه صلب بمرور الزمان ، والعاشر : سجيل موضع الحجارة ، وهي جبال مخصوصة ، ومنه قوله تعالى : { مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ } [ النور : 43 ] . واعلم أنه تعالى وصف تلك الحجارة بصفات : فالصفة الأولى : كونها من سجيل ، وقد سبق ذكره . الصفة الثانية : قوله تعالى : { مَّنْضُودٍ } قال الواحدي : هو مفعول من النضد ، وهو موضع الشيء بعضه على بعض ، وفيه وجوه : الأول : أن تلك الحجارة كان بعضها فوق بعض في النزول فأتى به على سبيل المبالغة . والثاني : أن كل حجر فإن ما فيه من الأجزاء منضود بعضها ببعض ، وملتصق بعضها ببعض . والثالث : أنه تعالى كان قد خلقها في معادنها ونضد بعضها فوق بعض ، وأعدها لإهلاك الظلمة . واعلم أن قوله : { مَّنْضُودٍ } صفة للسجيل . الصفة الثالثة : مسومة ، وهذه الصفة صفة للأحجار ومعناها المعلمة ، وقد مضى الكلام فيه في تفسير قوله : { وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ } [ آل عمران : 14 ] واختلفوا في كيفية تلك العلامة على وجوه : الأول : قال الحسن والسدي : كان عليها أمثال الخواتيم . الثاني : قال ابن صالح : رأيت منها عند أم هانىء حجارة فيها خطوط حمر على هيئة الجزع . الثالث : قال ابن جريج : كان عليها سيما لا تشارك حجارة الأرض ، وتدل على أنه تعالى إنما خلقها للعذاب . الرابع : قال الربيع : مكتوب على كل حجر اسم من رمى به . ثم قال تعالى : { عِندَ رَبّكَ } أي في خزائنه التي لا يتصرف فيها أحد إلا هو . ثم قال : { وَمَا هِى مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِبَعِيدٍ } يعني به كفار مكة ، والمقصود أنه تعالى يرميهم بها . عن أنس أنه قال : سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام عن هذا فقال : يعني عن ظالمي أمتك ، ما من ظالم منهم إلا وهو بمعرض حجر يسقط عليه من ساعة إلى ساعة . وقيل : الضمير في قوله : { وَمَا هِىَ } للقرى . أي وما تلك القرى التي وقعت فيها هذه الواقعة من كفار مكة ببعيد ، وذلك لأن القرى كانت في الشأم ، وهي قريب من مكة .