Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 9-11)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أنه تعالى لما ذكر أن عذاب أولئك الكفار وإن تأخر إلا أنه لا بد وأن يحيق بهم ، ذكر بعده ما يدل على كفرهم ، وعلى كونهم مستحقين لذلك العذاب . فقال : { وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ } وفيه مسائل : المسألة الأولى : لفظ { ٱلإِنسَـٰنَ } في هذه الآية فيه قولان : القول الأول : أن المراد منه مطلق الإنسان ويدل عليه وجوه : الأول : أنه تعالى استثنى منه قوله : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } والاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لدخل ، فثبت أن الإنسان المذكور في هذه الآية داخل فيه المؤمن والكافر ، وذلك يدل على ما قلناه . الثاني : أن هذه الآية موافقة على هذا التقرير لقوله تعالى : { وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإنسَـٰنَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } [ العصر : 1 3 ] وموافقة أيضاً لقوله تعالى : { إِنَّ ٱلإنسَـٰنَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعاً } [ المعارج : 19 21 ] الثالث : أن مزاج الإنسان مجبول على الضعف والعجز . قال ابن جريج في تفسير هذه الآية يا ابن آدم إذا نزلت لك نعمة من الله فأنت كفور ، فإذا نزعت منك فيؤس قنوط . والقول الثاني : أن المراد منه الكافر ، ويدل عليه وجوه : الأول : أن الأصل في المفرد المحلى بالألف واللام أن يحمل على المعهود السابق لولا المانع ، وههنا لا مانع فوجب حمله عليه والمعهود السابق هو الكافر المذكور في الآية المتقدمة . الثاني : أن الصفات المذكورة للإنسان في هذه الآية لا تليق إلا بالكافر لأنه وصفه بكونه يؤساً ، وذلك من صفات الكافر لقوله تعالى : { إنه لا ييأس من روح الله إلا القووم الكافرون } [ يوسف : 87 ] ووصفه أيضاً بكونه كفوراً ، وهو تصريح بالكفر ووصفه أيضاً بأنه عند وجدان الراحة يقول : { ذهب السيئات عني } [ هود : 10 ] وذلك جراءة على الله تعالى ، ووصفه أيضاً بكونه فرحاً { وٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } [ القصص : 76 ] ووصفه أيضاً بكونه فخوراً ، وذلك ليس من صفات أهل الدين . ثم قال الناظرون لهذا القول : وجب أن يحمل الاستثناء المذكور في هذه الآية على الاستثناء المنقطع حتى لا تلزمنا هذه المحذورات . المسألة الثانية : لفظ الإذاقة والذوق يفيد أقل ما يوجد به الطعم ، فكان المراد أن الإنسان بوجدان أقل القليل من الخيرات العاجلة يقع في التمرد والطغيان ، وبإدراك أقل القليل من المحنة والبلية يقع في اليأس والقنوط والكفران فالدنيا في نفسها قليلة ، والحاصل منها للإنسان الواحد قليل ، والإذاقة من ذلك المقدار خير قليل ثم إنه في سرعة الزوال يشبه أحلام النائمين وخيالات الموسوسين ، فهذه الإذاقة من قليل ، ومع ذلك فإن الإنسان لا طاقة له بتحملها ولا صبر له على الإتيان بالطريق الحسن معها . وأما النعماء فقال الواحدي : إنها إنعام يظهر أثره على صاحبه ، والضراء مضرة يظهر أثرها على صاحبها ، لأنها خرجت مخرج الأحوال الظاهرة نحو حمراء وعوراء ، وهذا هو الفرق بين النعمة والنعماء ، والمضرة والضراء . المسألة الثالثة : اعلم أن أحوال الدنيا غير باقية ، بل هي أبداً في التغير والزوال ، والتحول والانتقال ، إلا أن الضابط فيه أنه إما أن يتحول من النعمة إلى المحنة ، ومن اللذات إلى الآفات وإما أن يكون بالعكس من ذلك ، وهو أن ينتقل من المكروه إلى المحبوب ، ومن المحرمات إلى الطيبات . أما القسم الأول : فهو المراد من قوله : { وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ } وحاصل الكلام أنه تعالى حكم على هذا الإنسان بأنه يؤس كفور . وتقريره أن يقال : أنه حال زوال تلك النعمة يصير يؤساً ، وذلك لأن الكافر يعتقد أن السبب في حصول تلك النعمة سبب اتفاقي ، ثم إنه يستبعد حدوث ذلك الاتفاق مرة أخرى فلا جرم يستبعد عود تلك النعمة فيقع في اليأس . وأما المسلم الذي يعتقد أن تلك النعمة إنما حصلت من الله تعالى وفضله وإحسانه وطوله فإنه لا يحصل له اليأس ، بل يقول لعله تعالى يردها إلى بعد ذلك أكمل وأحسن وأفضل مما كانت ، وأما حال كون تلك النعمة حاصلة فإنه يكون كفوراً لأنه لما اعتقد أن حصولها إنما كان على سبيل الاتفاق أو بسبب أن الإنسان حصلها بسبب جده وجهده ، فحينئذ لا يشتغل بشكر الله تعالى على تلك النعمة . فالحاصل أن الكافر يكون عند زوال تلك النعمة يؤوساً وعند حصولها يكون كفوراً . وأما القسم الثاني : وهو أن ينتقل الإنسان من المكروه إلى المحبوب ، ومن المحنة إلى النعمة ، فههنا الكافر يكون فرحاً فخوراً . أما قوة الفرح فلأن منتهى طمع الكافر هو الفوز بهذه السعادات الدنيوية وهو منكر للسعادات الأخروية الروحانية ، فإذا وجد الدنيا فكأنه قد فاز بغاية السعادات فلا جرم يعظم فرحه بها ، وأما كونه فخوراً فلأنه لما كان الفوز بسائر المطلوب نهاية السعادة لا جرم يفتخر به ، فحاصل الكلام أنه تعالى بين أن الكافر عند البلاء لا يكون من الصابرين ، وعند الفوز بالنعماء لا يكون من الشاكرين . ثم لما قرر ذلك قال : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } والمراد منه ضد ما تقدم فقوله : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } المراد منه أن يكون عند البلاء من الصابرين ، وقوله : { وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } المراد منه أن يكون عند الراحة والخير من الشاكرين . ثم بين حالهم فقال : { أُوْلَـئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } فجمع لهم بين هذين المطلوبين . أحدهما : زوال العقاب والخلاص منه وهو المراد من قوله : { لَهُم مَّغْفِرَةٌ } والثاني : الفوز بالثواب وهو المراد من قوله : { وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } ومن وقف على هذا التفصيل الذي ذكرناه علم أن هذا الكتاب الكريم كما أنه معجز بحسب ألفاظه فهو أيضاً معجز بحسب معانيه .