Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 112, Ayat: 3-3)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه سؤالات : السؤال الأول : لم قدم قوله : { لَمْ يَلِدْ } على قوله : { وَلَمْ يُولَدْ } مع أن في الشاهد يكون أولاً مولوداً ، ثم يكون والداً ؟ الجواب : إنما وقعت البداءة بأنه لم يلد ، لأنهم ادعوا أن له ولداً ، وذلك لأن مشركي العرب قالوا : الملائكة بنات الله وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصـارى المسيح ابن الله ولم يدع أحد أن له والداً فلهذا السبب بدأ بالأهم فقال : { لَمْ يَلِدْ } ثم أشار إلى الحجة فقال : { وَلَمْ يُولَدْ } كأنه قيل : الدليل على امتناع الولدية اتفاقنا على أنه ما كان ولداً لغيره . السؤال الثاني : لماذا اقتصر على ذكر الماضي فقال : { لَمْ يَلِدْ } ولم يقل : لن يلد ؟ الجواب : إنما اقتصر على ذلك لأنه ورد جواباً عن قولهم ولد الله والدليل عليه قوله تعالى : { أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ ٱللَّهُ } [ الصافات : 151 ، 152 ] فلما كان المقصود من هذه الآية تكذيب قولهم وهم إنما قالوا ذلك في الماضي ، لا جرم وردت الآية على وفق قوله . السؤال الثالث : لم قال ههنا : { لَمْ يَلِدْ } وقال في سورة بني إسرائيل : { وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً } [ الإسراء : 111 ] الجواب : أن الولد يكون على وجهين : أحدهما : أن يتولد منه مثله وهذا هو الولد الحقيقي والثاني : أن لا يكون متولداً منه ولكنه يتخذه ولداً ويسميه هذا الاسم ، وإن لم يكن ولداً له في الحقيقة ، والنصارى فريقان : منهم من قال : عيسى ولد الله حقيقة ، ومنهم من قال : إن الله اتخذه ولداً تشريفاً له ، كما اتخذ إبراهيم خليلاً تشريفاً له ، فقوله : { لَمْ يَلِدْ } فيه إشارة إلى نفي الوالد في الحقيقة ، وقوله : { لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا } إشارة إلى نفي القسم الثاني ، ولهذا قال : { لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِى ٱلْمُلْكِ } [ الإسراء : 111 ] لأن الإنسان قد يتخذ ولداً ليكون ناصراً ومعيناً له على الأمر المطلوب ، ولذلك قال في سورة أخرى : { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ ٱلْغَنِىُّ } [ يونس : 68 ] وإشارة إلى ما ذكرنا أن اتخاذ الولد إنما يكون عند الحاجة . السؤال الرابع : نفي كونه تعالى والداً ومولوداً ، هل يمكن أن يعلم بالسمع أم لا ، وإن كان لا يمكن ذلك فما الفائدة في ذكره ههنا ؟ الجواب : نفي كونه تعالى والداً مستفاد من العلم بأنه تعالى ليس بجسم ولا متبعض ولا منقسم ، ونفي كونه تعالى مولوداً مستفاد من العلم بأنه تعالى قديم ، والعلم بكل واحد من هذين الأصلين متقدم على العلم بالنبوة والقرآن ، فلا يمكن أن يكونا مستفادين من الدلائل السمعية . بقي أن يقال : فلما لم يكن استفادتهما من السمع ، فما الفائدة في ذكرهما في هذه السورة ؟ قلنا : قد بينا أن المراد من كونه أحداً كونه سبحانه في ذاته وماهيته منزهاً عن جميع أنحاء التراكيب ، وكونه تعالى صمداً معناه كونه واجباً لذاته ممتنع التغير في ذاته وجميع صفاته ، وإذا كان كذلك فالأحدية والصمدية يوجبان نفي الولدية والمولودية ، فلما ذكر السبب الموجب لانتفاء الوالدية والمولودية ، لا جرم ذكر هذين الحكمين ، فالمقصود من ذكرهما تنبيه الله تعالى على الدلالة العقلية القاطعة على انتفائهما . السؤال الخامس : هل في قوله تعالى : { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } فائدة أزيد من نفي الولدية ونفي المولودية ؟ قلنا : فيه فوائد كثيرة ، وذلك لأن قوله : { ٱللَّهُ أَحَدٌ } إشارة إلى كونه تعالى في ذاته وماهيته منزهاً عن التركيب ، وقوله : { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } إشارة إلى نفي الأضداد والأنداد والشركاء والأمثال وهذان المقامان الشريفان مما حصل الاتفاق فيهما بين أرباب الملل والأديان ، وبين الفلاسفة ، إلا أن من بعد هذا الموضع حصل الاختلاف بين أرباب الملل وبين الفلاسفة ، فإن الفلاسفة قالوا : إنه يتولد عن واجب الوجود عقل ، وعن العقل عقل آخر ونفس وفلك ، وهكذا على هذا الترتيب حتى ينتهي إلى العقل الذي هو مدبر ما تحت كرة القمر ، فعلى هذا القول يكون واجب الوجود قد ولد العقل الأول الذي هو تحته ، ويكون العقل الذي هو مدبر لعالمنا هذا كالمولود من العقول التي فوقه ، فالحق سبحانه وتعالى نفي الوالدية أولاً ، كأنه قيل : إنه لم يلد العقول والنفوس ، ثم قال : والشيء الذي هو مدبر أجسادكم وأرواحكم وعالمكم هذا ليس مولوداً من شيء آخر ، فلا والد ولا مولود ولا مؤثر إلا الواحد الذي هو الحق سبحانه .