Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 114, Ayat: 1-3)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ ٱلنَّاسِ * مَلِكِ ٱلنَّاسِ * إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } فيه مسائل : المسألة الأولى : قرىء : { قُلْ أَعُوذُ } بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى اللام ونظيره : { فَخُذْ أَرْبَعَةً مّنَ ٱلطَّيْرِ } [ البقرة : 260 ] وأيضاً أجمع القراء على ترك الإمالة في الناس ، وروي عن الكسائي الإمالة في الناس إذا كان في موضع الخفض . المسألة الثانية : أنه تعالى رب جميع المحدثات ، ولكنه ههنا ذكر أنه رب الناس على التخصيص وذلك لوجوه أحدها : أن الاستعاذة وقعت من شر الموسوس في صدور الناس فكأنه قيل : أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم الذي يملك عليهم أمورهم وهو إلهم ومعبودهم كما يستغيث بعض الموالي إذا اعتراهم خطب بسيدهم ومخدومهم ووالي أمرهم وثانيها : أن أشرف المخلوقات في العالم هم الناس وثالثها : أن المأمور بالاستعاذة هو الإنسان ، فإذا قرأ الإنسان هذه صار كأنه يقول : يا رب يا ملكي يا إلهي . المسألة الثالثة : قوله تعالى : { مَلِكِ ٱلنَّاسِ * إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } هما عطف بيان كقوله : سيرة أبي حفص عمر الفاروق ، فوصف أولاً بأنه رب الناس ثم الرب قد يكون ملكاً وقد لا يكون ، كما يقال : رب الدار ورب المتاع قال تعالى : { ٱتَّخَذُواْ أَحْبَـٰرَهُمْ وَرُهْبَـٰنَهُمْ أَرْبَاباً مّن دُونِ ٱللَّهِ } [ التوبة : 31 ] فلا جرم بينه بقوله : { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } ثم الملك قد يكون إلهاً وقد لا يكون فلا جرم بينه بقوله : { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } لأن الإله خاص به وهو سبحانه لا يشركه فيه غيره وأيضاً بدأ بذكر الرب وهو اسم لمن قام بتدبيره وإصلاحه ، وهو من أوائل نعمه إلى أن رباه وأعطاه العقل فحينئذ عرف بالدليل أنه عبد مملوك وهو ملكه ، فثنى بذكر الملك ، ثم لما علم أن العبادة لازمة له واجبة عليه ، وعرف أن معبوده مستحق لتلك العبادة عرف أنه إله ، فلهذا ختم به ، وأيضاً أول ما يعرف العبد من ربه كونه مطيعاً لما عنده من النعم الظاهرة والباطنة ، وهذا هو الرب ، ثم لا يزال يتنقل من معرفة هذه الصفات إلى معرفة جلالته واستغنائه عن الخلق ، فحينئذ يحصل العلم بكونه ملكاً ، لأن الملك هو الذي يفتقر إليه غيره ويكون هو غنياً عن غيره ، ثم إذا عرفه العبد كذلك عرف أنه في الجلالة والكبرياء فوق وصف الواصفين وأنه هو الذي ولهت العقول في عزته وعظمته ، فحينئذ يعرفه إلهاً . المسألة الرابعة : السبب في تكرير لفظ الناس أنه إنما تكررت هذه الصفات ، لأن عطف البيان يحتاج إلى مزيد الإظهار ، ولأن هذا التكرير يقتضي مزيد شرف الناس ، لأنه سبحانه كأنه عرف ذاته بكونه رباً للناس ، ملكاً للناس ، إلهاً للناس . ولولا أن الناس أشر مخلوقاته وإلا لما ختم كتابه بتعريف ذاته بكونه رباً وملكاً وإلهاً لهم . المسألة الخامسة : لا يجوز ههنا مالك الناس ويجوز : { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدّينِ } في سورة الفاتحة ، والفرق أن قوله : { رَبّ ٱلنَّاسِ } أفاد كونه مالكاً لهم فلا بد وأن يكون المذكور عقيبه هذا الملك ليفيد أنه مالك ومع كونه مالكاً فهو ملك ، فإن قيل : أليس قال في سورة الفاتحة : { رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } ثم قال : { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدّينِ } فليزم وقوع التكرار هناك ؟ قلنا اللفظ دل على أنه رب العالمين ، وهي الأشياء الموجودة في الحال ، وعلى أنه مالك ليوم الدين أي قادر عليه فهناك الرب مضاف إلى شيء والمالك إلى شيء آخر فلم يلزم التكرير ، وأما ههنا لو ذكر المالك لكان الرب والمالك مضافين إلى شيء واحد ، فيلزم منه التكرير فظهر الفرق ، وأيضاً فجواز القراءات يتبع النزول لا القياس ، وقد قرىء مالك لكن في الشواذ .