Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 77-77)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أنه لما خرج الصواع من رحل أخي يوسف نكس إخوته رؤسهم وقالوا : هذه الواقعة عجيبة أن راحيل ولدت ولدين لصين ، ثم قالوا : يا بني راحيل ما أكثر البلاء علينا منكم ، فقال بنيامين ماأكثر البلاء علينا منكم ذهبتم بأخي وضيعتموه في المفازة ، ثم تقولون لي هذا الكلام ، قالوا له : فكيف خرج الصواع من رحلك ، فقال : وضعه في رحلي من وضع البضاعة في رحالكم . واعلم أن ظاهر الآية يقتضي أنهم قالوا للملك : إن هذا الأمر ليس بغريب منه فإن أخاه الذي هلك كان أيضاً سارقاً ، وكان غرضهم من هذا الكلام أنا لسنا على طريقته ولا على سيرته ، وهو وأخوه مختصان بهذه الطريقة لأنهما من أم أخرى ، واختلفوا في السرقة التي نسبوها إلى يوسف عليه السلام على أقوال : الأول : قال سعيد بن جبير : كان جده أبو أمه كافراً يعبد الأوثان فأمرته أمه بأن يسرق تلك الأوثان ويكسرها فلعله يترك عبادة الأوثان ففعل ذلك ، فهذا هو السرقة ، والثاني : أنه كان يسرق الطعام من مائدة أبيه ويدفعه إلى الفقراء ، وقيل سرق عناقاً من أبيه ودفعه إلى المسكين وقيل دجاجة . والثالث : أن عمته كانت تحبه حباً شديداً فأرادت أن تمسكه عند نفسها ، وكان قد بقي عندها منطقة لاسحق عليه السلام وكانوا يتبركون بها فشدتها على وسط يوسف ثم قالت بأنه سرقها وكان من حكمهم بأن من سرق يسترق ، فتوسلت بهذه الحيلة إلى إمساكه عند نفسها . والرابع : أنهم كذبوا عليه وبهتوه وكانت قلوبهم مملوءة بالغضب على يوسف بعد تلك الوقائع ، وبعد انقضاء تلك المدة الطويلة ، وهذه الواقعة تدل على أن قلب الحاسد لا يطهر عن الغل ألبتة . ثم قال تعالى : { فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِى نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ } واختلفوا في أن الضمير في قوله : { فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ } إلى أي شيء يعود على قولين قال الزجاج : فأسرها إضمار على شريطة التفسير ، تفسيره أنتم شر مكاناً وإنما أنث لأن قوله : { أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً } جملة أو كلمة لأنهم يسمون الطائفة من الكلام كلمة كأنه قال : فأسر الجملة أو الكلمة التي هي قوله : { أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً } وفي قراءة ابن مسعود { فَأَسْرِ } بالتذكير يريد القول أو الكلام وطعن أبو علي الفارسي في هذا الوجه فيما استدركه على الزجاج من وجهين : الوجه الأول : قال الإضمار على شريطة التفسير يكون على ضربين : أحدهما : أن يفسر بمفرد كقولنا : نعم رجلاً زيد ففي نعم ضمير فاعلها ، ورجلاً تفسير لذلك الفاعل المضمر والآخر أن يفسر بجملة وأصل هذا يقع في الابتداء كقوله : { فَإِذَا هِىَ شَـٰخِصَةٌ أَبْصَـٰرُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ الأنبياء : 97 ] { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [ الصمد : 1 ] والمعنى القصة شاخصة أبصار الذين كفروا والأمر الله أحد . ثم إن العوامل الداخلة على المبتدأ والخبر تدخل عليه أيضاً نحو إن كقوله : { إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً } [ طه : 74 ] { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَـٰرِ } [ الحج : 46 ] . إذا عرفت هذا فنقول : نفس المضمر على شريطة التفسير في كلا القسمين متصل بالجملة التي حصل منها الإضمار ، ولا يكون خارجاً عن تلك الجملة ولا مبايناً لها . وههنا التفسير منفصل عن الجملة التي حصل منها الإضمار فوجب أن لا يحسن . والثاني : أنه تعالى قال : { أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً } وذلك يدل على أنه ذكر هذا الكلام ، ولو قلنا : إنه عليه السلام أضمر هذا الكلام لكان قوله أنه قال ذلك كذباً . واعلم أن هذا الطعن ضعيف لوجوه : أما الأول : فلأنه لا يلزم من حسن القسمين الأولين قبح قسم ثالث . وأما الثاني : فلأنا نحمل ذلك على أنه عليه السلام قال ذلك على سبيل الخفية وبهذا التفسير يسقط هذا السؤال . والوجه الثاني : وهو أن الضمير في قوله : { فَأَسَرَّهَا } عائد إلى الإجابة كأنهم قالوا : { إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ } فأسر يوسف إجابتهم في نفسه في ذلك الوقت ولم يبدها لهم في تلك الحالة إلى وقت ثان ويجوز أيضاً أن يكون إضماراً للمقالة . والمعنى : أسر يوسف مقالتهم ، والمراد من المقالة متعلق تلك المقالة كما يراد بالخلق المخلوق وبالعلم المعلوم يعني أسر يوسف في نفسه كيفية تلك السرقة ، ولم يبين لهم أنها كيف وقعت وأنه ليس فيها ما يوجب الذم والطعن . روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال عوقب يوسف عليه السلام ثلاث مرات لأجل همه بها ، عوقب بالحبس وبقوله : { ٱذْكُرْنِى عِندَ رَبّكَ } [ يوسف : 42 ] عوقب بالحبس الطويل وبقوله : { إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } [ يوسف : 7 ] عوقب بقولهم : { فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ } ثم حكى تعالى عن يوسف أنه قال : { أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً } أي أنتم شر منزلة عند الله تعالى لما أقدمتم عليه من ظلم أخيكم وعقوق أبيكم فأخذتم أخاكم وطرحتموه في الجب ، ثم قلتم لأبيكم إن الذئب أكله وأنتم كاذبون ، ثم بعتموه بعشرين درهماً ، ثم بعد المدة الطويلة والزمان الممتد ما زال الحقد والغضب عن قلوبكم فرميتموه بالسرقة . ثم قال تعالى : { وَٱللَّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ } يريد أن سرقة يوسف كانت رضا لله ، وبالجملة فهذه الوجوه المذكورة في سرقته لا يوجب شيء منها عود الذم واللوم إليه ، والمعنى : والله أعلم بأن هذا الذي وصفتموه به هل يوجب عود مذمة إليه أم لا .