Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 89-91)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنه تعالى لما أمر رسوله بالزهد في الدنيا ، وخفض الجناح للمؤمنين ، أمره بأن يقول للقوم : { إِنّى أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلْمُبِينُ } فيدخل تحت كونه نذيراً ، كونه مبلغاً لجميع التكاليف ، لأن كل ما كان واجباً ترتب على تركه عقاب وكل ما كان حراماً ترتب على فعله عقاب فكان الأخبار بحصول هذا العقاب داخلاً تحت لفظ النذير ، ويدخل تحته أيضاً كونه شارحاً لمراتب الثواب والعقاب والجنة والنار ، ثم أردفه بكونه مبيناً ، ومعناه كونه آتياً في كل ذلك بالبيانات الشافية والبينات الوافية ، ثم قال بعده : { كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى ٱلْمُقْتَسِمِينَ } وفيه بحثان : البحث الأول : اختلفوا في أن المقتسمين من هم ؟ وفيه أقوال : القول الأول : قال ابن عباس : هم الذين اقتسموا طرق مكة يصدون الناس عن الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقرب عددهم من أربعين . وقال مقاتل بن سليمان : كانوا ستة عشر رجلاً بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم ، فاقتسموا عقبات مكة وطرقها يقولون لمن يسلكها لا تغتروا بالخارج منا ، والمدعي للنبوة فإنه مجنون ، وكانوا ينفرون الناس عنه بأنه ساحر أو كاهن أو شاعر ، فأنزل الله تعالى بهم خزياً فماتوا شر ميتة ، والمعنى : أنذرتكم مثل ما نزل بالمقتسمين . والقول الثاني : وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما في بعض الروايات أن المقتسمين هم اليهود والنصارى ، واختلفوا في أن الله تعالى لم سماهم مقتسمين ؟ فقيل لأنهم جعلوا القرآن عضين آمنوا بما وافق التوراة وكفروا بالباقي . وقال عكرمة : لأنهم اقتسموا القرآن استهزاء به ، فقال بعضهم : سورة كذا لي . وقال بعضهم : سورة كذا لي . وقال مقاتل بن حبان : اقتسموا القرآن فقال بعضهم سحر . وقال بعضهم شعر ، وقال بعضهم كذب ، وقال بعضهم : أساطير الأولين . والقول الثالث : في تفسير المقتسمين . قال ابن زيد : هم قوم صالح تقاسموا لنبيتنه وأهله ، فرمتهم الملائكة بالحجارة حتى قتلوهم ، فعلى هذا والاقتسام من القسم لا من القسمة ، وهو اختيار ابن قتيبة . البحث الثالث : أن قوله : { كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى ٱلْمُقْتَسِمِينَ } يقتضي تشبيه شيء بذلك فما ذلك الشيء ؟ والجواب عنه من وجهين : الوجه الأول : التقدير : ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم كما أنزلنا على أهل الكتاب وهم المقتسمون الذين جعلوا القرآن عضين ، حيث قالوا بعنادهم وجهلهم بعضه حق موافق للتوارة والإنجيل ، وبعضه باطل مخالف لهما فاقتسموه إلى حق وباطل . فإن قيل : فعلى هذا القول كيف توسط بين المشبه والمشبه به قوله : { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } [ الحجر : 88 ] إلى آخره ؟ قلنا : لما كان ذلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن تكذيبهم وعداوتهم ، اعترض بما هو مدار لمعنى التسلية من النهي عن الالتفات إلى دنياهم والتأسف على كفرهم . والوجه الثاني : أن يتعلق هذا الكلام بقوله : { وَقُلْ إِنّى أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلْمُبِينُ } . واعلم أن هذا الوجه لا يتم إلا بأحد أمرين : إما التزام إضمار أو التزام حذف ، أما الإضمار فهو أن يكون التقدير إني أنا النذير المبين عذاباً كما أنزلناه على المقتسمين ، وعلى هذا الوجه ، المفعول محذوف وهو المشبه ، ودل عليه المشبه به ، وهذا كما تقول : رأيت كالقمر في الحسن ، أي رأيت إنساناً كالقمر في الحسن ، وأما الحذف فهو أن يقال : الكاف زائدة محذوفة ، والتقدير : إني أنا النذير المبين ما أنزلناه على المقتسمين ، وزيادة الكاف له نظير وهو قوله تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء } [ الشورى : 11 ] والتقدير : ليس مثله شيء ، وقال بعضهم : لا حاجة إلى الإضمار والحذف ، والتقدير : إني أنا النذير أي أنذر قريشاً مثل ما أنزلنا من العذاب على المقتسمين وقوله : { ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلْقُرْءانَ عِضِينَ } فيه بحثان : البحث الأول : في هذا اللفظ قولان : الأول : أنه صفة للمقتسمين . والثاني : أنه مبتدأ ، وخبره هو قوله : { لَنَسْـئَلَنَّهُمْ } [ الحجر : 92 ] وهو قول ابن زيد . البحث الثاني : ذكر أهل اللغة في واحد عضين قولين : القول الأول : أن واحدها عضة مثل عزة وبرة وثبة ، وأصلها عضوة من عضيت الشيء إذا فرقته ، وكل قطعة عضة ، وهي مما نقص منها واو هي لام الفعل ، والتعضية التجزئة والتفريق ، يقال : عضيت الجزور والشاة تعضية إذا جعلتها أعضاء وقسمتها ، وفي الحديث : " " لا تعضية في ميراث إلا فيما احتمل القسمة " " أي لا تجزئه فيما لا يحتمل القسمة كالجوهرة والسيف . فقوله : { جَعَلُواْ ٱلْقُرْءَانَ عِضِينَ } يريد جزؤه أجزاء ، فقالوا : سحر وشعر وأساطير الأولين ومفترى . والقول الثاني أن واحدها عضة وأصلها عضهة ، فاستثقلوا الجمع بين هاءين ، فقالوا : عضة كما قالوا شفة ، والأصل شفهة بدليل قولهم : شافهت مشافهة ، وسنة وأصلها سنهة في بعض الأقوال ، وهو مأخوذ من العضة بمعنى الكذب ، ومنه الحديث : " " إياكم والعضة " " وقال ابن السكيت : العضة بأن يعضه الإنسان ويقول فيه ما ليس فيه . وهذا قول الخليل فيما روى الليث عنه ، فعلى هذا القول معنى قوله تعالى : { جَعَلُواْ ٱلْقُرْءانَ عِضِينَ } أي جعلوه مفترى . وجمعت العضة جمع ما يعقل لما لحقها من الحذف ، فجعل الجمع بالواو والنون عوضاً مما لحقها من الحذف .