Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 61-64)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنه تعالى لما حكى عن القوم عظيم كفرهم وقبيح قولهم ، بين أنه يمهل هؤلاء الكفار ولا يعاجلهم بالعقوبة ، إظهاراً للفضل والرحمة والكرم ، وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : احتج الطاعنون في عصمة الأنبياء عليهم السلام بقوله تعالى : { ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة } من وجهين : الأول : أنه قال : { ولا يؤاخذ الله الناس بظلمهم } فأضاف الظلم إلى كل الناس ، ولا شك أن الظلم من المعاصي ، فهذا يقتضي كون كل إنسان آتياً بالذنب والمعصية ، والأنبياء عليهم السلام من الناس ، فوجب كونهم آتين بالذنب والمعصية . والثاني : أنه تعالى قال : ما ترك على ظهرها من دابة وهذا يقتضي أن كل من كان على ظهر الأرض فهو آت بالظلم والذنب ، حتى يلزم من إفناء كل ما كان ظالماً إفناء كل الناس . أما إذا قلنا : الأنبياء عليهم السلام لم يصدر عنهم ظلم فلا يجب إفناؤهم ، وحينئذ لا يلزم من إفناء كل الظالمين إفناء كل الناس ، وأن لا يبقى على ظهر الأرض دابة ، ولما لزم علمنا أن كل البشر ظالمون سواء كانوا من الأنبياء أو لم يكونوا كذلك . والجواب : ثبت بالدليل أن كل الناس ليسوا ظالمين لأنه تعالى قال : { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات } [ فاطر : 32 ] أي فمن العباد من هو ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق ، ولو كان المقتصد والسابق ظالماً لفسد ذلك التقسيم ، فعلمنا أن المقتصدين والسابقين ليسوا ظالمين ، فثبت بهذا الدليل أنه لا يجوز أن يقال كل الخلق ظالمون . وإذا ثبت هذا فنقول : الناس المذكورون في قوله : { ولو يؤاخذ الله الناس } إما كل العصاة المستحقين للعقاب أو الذين تقدم ذكرهم من المشركين ومن الذين أثبتوا لله البنات . وعلى هذا التقدير فيسقط الاستدلال . والله أعلم . المسألة الثانية : من الناس من احتج بهذه الآية على أن الأصل من المضار الحرمة ، فقال : لو كان الضرر مشروعاً لكان إما أن يكون مشروعاً على وجه يكون جزاء على جرم صادر منهم أو لا على هذا الوجه ، والقسمان باطلان ، فوجب أن لا يكون مشروعاً أصلاً . أما بيان فساد القسم الأول ، فلقوله تعالى : { ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك على ظهرها من دابة } والاستدلال به نم وجهين : الأول : أن كلمة " لو " وضعت لانتفاء الشيء لانتفاء غيره . فقوله : { ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك على ظهرها من دابة } يقتضي أنه تعالى ما أخذهم بظلمهم وأنه ترك على ظهرها من دابة . والثاني : أنه لما دلت الآية على أن لازمة أخذ الله الناس بظلمهم هو أن لا يترك على ظهرها دابة ، ثم إنا نشاهد أنه تعالى ترك على ظهرها دواب كثيرين ، فوجب القطع بأنه تعالى لا يؤاخذ الناس بظلمهم ، فثبت بهذا أنه لا يجوز أن تكون المضار مشروعة على وجه تقع أجزية عن الجرائم . وأما القسم الثاني : وهو أن يكون مشروعاً ابتداء لا على وجه يقع أجزية عن جرم سابق ، فهذا باطل بالإجماع ، فثبت أن مقتضى هذه الآية تحريم المضار مطلقاً ، ويتأكد هذا أيضاً بآيات أخرى كقوله تعالى : { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها } [ الأعراف : 56 ] وكقوله : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } [ لحج : 78 ] وكقوله : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } [ البقرة : 185 ] وكقوله عليه السلام : " " لا ضرر ولا ضرار في الإسلام " " وكقوله : " " ملعون من ضر مسلماً " " فثبت بمجموع هذه الآيات والأخبار أن الأصل في المضار الحرمة ، فنقول : إذا وقعت حادثة مشتملة على الضرر من كل الوجوه ، فإن وجدنا نصاً خاصاً يدل على كونه مشروعاً قضينا به تقديماً للخاص على العام ، وإلا قضينا عليه بالحرمة بناء على هذا الأصل الذي قررناه . ومنهم من قال هذه القاعدة تدل على أن كل ما يريده الإنسان وجب أن يكون مشروعاً في حقه ، لأن المنع منه ضرر ، والضرر غير مشروع بمقتضى هذا الأصل وكل ما يكرهه الإنسان وجب أن يحرم لأن وجوده ضرر والضرر غير مشروع ، فثبت أن هذا الأصل يتناول جميع الوقائع الممكنة إلى يوم القيامة ، ثم نقول القياس الذي يتمسك به في إثبات الأحكام إما أن يكون على وفق هذه القاعدة أو على خلافها ، والأول باطل : لأن هذا الأصل يغني عنه ، والثاني باطل لأن النص راجح على القياس ، والله أعلم . المسألة الثالثة : قالت المعتزلة : هذه الآية دالة على أن الظلم والمعاصي ليست فعلاً لله تعالى ، بل تكون أفعالاً للعباد ، لأنه تعالى أضاف ظلم العباد إليهم ، وما أضافه إلى نفسه . فقال : { ولا يؤاخذ الله الناس بظلمهم } وأيضاً فلو كان خلقاً لله تعالى لكانت مؤاخذتهم بها ظلماً من الله تعالى ، ولما منع الله العباد من الظلم في هذه الآية فبأن يكون منزهاً عن الظلم كان أولى ، قالوا : ويدل أيضاً على أن أعمالهم مؤثرة في وجوب الثواب والعقاب أو قوله : { بظلمهم } الباء فيه تدل على العلية كما في قوله : { ذلك بأنهم شاقوا الله } [ الأنفال : 13 ] . واعلم أن الكلام في هذه المسائل قد ذكرناه مراراً فلا نعيده . والله أعلم . المسألة الرابعة : ظاهر الآية يدل على أن إقدام الناس على الظلم يوجب إهلاك جميع الدواب وذلك غير جائز ، لأن الدابة لم يصدر عنها ذنب ، فكيف يجوز إهلاكها بسبب ظلم الناس ؟ والجواب عنه من وجهين : الوجه الأول : أنا لا نسلم أن قوله : ما ترك على ظهرها من دابة يتناول جميع الدواب . وأجاب أبو علي الجبائي عنه : أن المراد لو يؤاخذهم الله بما كسبوا من كفر ومعصية لعجل هلاكهم ، وحينئذ لا يبقى لهم نسل ، ثم من المعلوم أنه لا أحداً إلا وفي أحد آبائه من يستحق العذاب وإذا هلكوا فقد بطل نسلهم ، فكان يلزمه أن لا يبقى في العالم أحد من الناس ، وإذا بطلوا وجب أن لا يبقى أحد من الدواب أيضاً ، لأن الدواب مخلوقة لمنافع العباد ومصالحهم ، فهذا وجه لطيف حسن . والوجه الثاني : أن الهلاك إذا ورد على الظلمة ورد أيضاً على سائر الناس والدواب ، فكان ذلك الهلاك في حق الظلمة عذاباً ، وفي حق غيرهم امتحاناً ، وقد وقعت هذه الواقعة في زمان نوح عليه السلام . والوجه الثالث : أنه تعالى لو آخذهم لانقطع القطر وفي انقطاعه انقطاع النبت فكان لا تبقى على ظهرها دابة ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه : أنه سمع رجلاً يقول : إن الظالم لا يضر إلا نفسه ، فقال : لا والله بل إن الحبارى في وكرها لتموت بظلم الظالم ، وعن ابن مسعود رضي الله عنه : كاد الجعل يهلك في جحره بذنب ابن آدم ، فهذه الوجوه الثلاثة من الجواب مفرعة على تسليم أن لفظة الدابة يتناول جميع الدواب . والجواب الثاني : أن المراد من قوله : ما ترك على ظهرها من دابة أي ما ترك على ظهرها من كافر ، فالمراد بالدابة الكافر ، والدليل عليه قوله تعالى : { أولئك كالأنعام بل هم أضل } [ الأعراف : 179 ] والله أعلم . المسألة الخامسة : الكناية في قوله : { عليها } عائدة إلى الأرض ، ولم يسبق لها ذكر ، إلا أن ذكر الدابة يدل على الأرض ، فإن الدابة إنما تدب عليها . وكثيراً ما يكنى عن الأرض ، وإن لم يتقدم ذكرها لأنهم يقولون ما عليها مثل فلان وما عليها أكرم من فلان ، يعنون على الأرض . ثم قال تعالى : { ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى } ليتوالدوا ، وفي تفسير هذا الأجل قولان : القول الأول : وهو قول عطاء : عن ابن عباس أنه يريد أجل القيامة . والقول الثاني : أن المراد منتهى العمر . وجه القول الأول أن معظم العذاب يوافيهم يوم القيامة ، ووجه القول الثاني أن المشركين يؤاخذون بالعقوبة إذا انقضت أعمارهم وخرجوا من الدنيا . النوع الثالث : من الأقاويل الفاسدة التي كان يذكرها الكفار وحكاها الله تعالى عنهم ، قوله : { ويجعلون لله ما يكرهون } . واعلم أن المراد من قوله : { ويجعلون } أي البنات التي يكرهونها لأنفسهم ، ومعنى قوله : { يجعلون } يصفون الله بذلك ويحكمون به له كقوله جعلت زيداً علىالناس أي حكمت بهذا الحكم وذكرنا معنى الجعل عند قوله : { ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة } [ المائدة : 103 ] . ثم قال تعالى : { وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى } قال الفراء والزجاج : موضع " أن " نصب لأن قوله : { أن لهم الحسنى } بدل من الكذب ، وتقدير الكلام وتصف ألسنتهم أن لهم الحسنى . وفي تفسير { الحسنى } ههنا قولان : الأول : المراد منه البنون ، يعني أنهم قالوا لله البنات ولنا البنون . والثاني : أنهم مع قولهم بإثبات البنات لله تعالى ، يصفون أنفسهم بأنهم فازوا برضوان الله تعالى بسبب هذا القول ، وأنهم على الدين الحق والمذهب الحسن . الثالث : أنهم حكموا لأنفسهم بالجنة والثواب من الله تعالى . فإن قيل : كيف يحكمون بذلك وهم كانوا منكرين للقيامة ؟ قلنا : كلهم ما كانوا منكرين للقيامة ، فقد قيل : إنه كان في العرب جمع يقرون بالبعث والقيامة ، ولذلك فإنهم كانوا يربطون البعير النفيس على قبر الميت ويتركونه إلى أن يموت ويقولون : إن ذلك الميت إذا حشر فإنه يحشر معه مركوبه ، وأيضاً فبتقدير أنهم كانوا منكرين للقيامة فلعلهم قالوا : إن كان محمد صادقاً في قوله بالبعث والنشور فإنه يحصل لنا الجنة والثواب بسبب هذا الدين الحق الذي نحن عليه ، ومن الناس من قال : الأولى أن يحمل { الحسنى } على هذا الوجه بدليل أنه تعالى قال بعده : { لا جرم أن لهم النار } فرد عليهم قولهم وأثبت لهم النار ، فدل هذا على أنهم حكموا لأنفسهم بالجنة . قال الزجاج : لا رد لقولهم ، والمعنى ليس الأمر كما وصفوا جرم فعلهم أي كسب ذلك القول لهم النار ، فعلى هذا لفظ " أن " في محل النصب بوقوع الكسب عليه . وقال قطرب أن في موضع رفع ، والمعنى : وجب أن لهم النار وكيف كان الإعراب فالمعنى هو أنه يحق لهم النار ويجب ويثبت . وقوله : { وأنهم مفرطون } قرأ نافع وقتيبة عن الكسائي : { مفرطون } بكسر الراء ، والباقون : { مفرطون } بفتح الراء . أما قراءة نافع فقال الفراء : المعنى أنهم كانوا مفرطين على أنفسهم في الذنوب ، وقيل : أفرطوا في الافتراء على الله تعالى ، وقال أبو علي الفارسي : كأنه من أفرط ، أي صار ذا فرط مثل أجرب ، أي صار ذا جرب والمعنى : أنهم ذوو فرط إلى النار كأنهم قد أرسلوا من يهيئ لهم مواضع فيها . وأما قراءة قوله : { مفرطون } بفتح الراء ففيه قولان : القول الأول : المعنى ، أنهم متروكون في النار . قال الكسائي : يقال ما أفرطت من القوم أحداً ، أي ما تركت . وقال الفراء : تقول العرب أفرطت منهم ناساً ، أي خلفتهم وأنسيتهم . والقول الثاني : { مفرطون } أي معجلون . قال الواحدي رحمه الله : وهو الاختيار ووجهه ما قال أبو زيد وغيره : فرط الرجل أصحابه يفرطهم فرطاً وفروطاً إذا تقدمهم إلى الماء ليصلح الدلاء والأرسان ، وأفرط القوم الفارط ، وفرطوه إذا قدموه فمعنى قوله : { مفرطون } على هذا التقدير كأنهم قدموا إلى النار فهم فيها فرط للذين يدخلون بعدهم ، ثم بين تعالى أن مثل هذا الصنع الذي يصدر من مشركي قريش قد صدر من سائر الأمم السابقين في حق الأنبياء المتقدمين عليهم السلام ، فقال : { تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم } وهذا يجري مجرى التسلية للرسول صلى الله عليه وسلم فيما كان يناله من الغم بسبب جهالات القوم . قالت المعتزلة : الآية تدل على فساد قول المجبرة من وجوه : الأول : أنه إذا كان خالق أعمالهم هو الله تعالى ، فلا فائدة في التزيين . والثاني : أن ذلك التزيين لما كان بخلق الله تعالى لم يجز ذم الشيطان بسببه . والثالث : أن التزيين هو الذى يدعو الإنسان إلى الفعل ، وإذا كان حصول الفعل فيه بخلق الله تعالى كان ضرورياً فلم يكن التزيين داعياً . والرابع : أن على قولهم ، الخالق لذلك العمل ، أجدر أن يكون ولياً لهم من الداعي إليه . والخامس : أنه تعالى أضاف التزيين إلى الشيطان ولو كان ذلك المزين هو الله تعالى لكانت إضافته إلى الشيطان كذباً . وجوابه : إن كان مزين القبائح في أعين الكفار هو الشيطان ، فمزين تلك الوساوس في عين الشيطان إن كان شيطاناً آخر لزم التسلسل . وإن كان هو الله تعالى فهو المطلوب . ثم قال تعالى : { فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلْيَوْمَ } وفيه احتمالان : الأول : أن المراد منه كفار مكة وبقوله : { فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلْيَوْمَ } أي الشيطان ويتولى إغواءهم وصرفهم عنك ، كما فعل بكفار الأمم قبلك فيكون على هذا التقدير رجع عن أخبار الأمم الماضية إلى الأخبار عن كفار مكة . الثاني : أنه أراد باليوم يوم القيامة ، يقول فهو ولي أولئك الذين كفروا يزين لهم أعمالهم يوم القيامة ، وأطلق اسم اليوم على يوم القيامة لشهرة ذلك اليوم ، والمقصود من قوله : { فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلْيَوْمَ } هو أنه لا ولي لهم ذلك اليوم ولا ناصر ، وذلك لأنهم إذا عاينوا العذاب وقد نزل بالشيطان كنزوله بهم ، ورأوا أنه لا مخلص له منه ، كما لا مخلص لهم منه ، جاز أن يوبخوا بأن يقال لهم : هذا وليكم اليوم على وجه السخرية ، ثم ذكر تعالى أن مع هذا الوعيد الشديد أقام الحجة وأزاح العلة فقال : { وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِى ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً } وفيه مسائل : المسألة الأولى : المعنى : أنا ما أنزلنا عليك القرآن إلا لتبين لهم بواسطة بيانات هذا القرآن الأشياء التي اختلفوا فيها ، والمختلفون هم أهل الملل والأهواء ، وما اختلفوا فيه ، هو الدين ، مثل التوحيد والشرك والجبر والقدر ، وإثبات المعاد ونفيه ، ومثل الأحكام ، مثل أنهم حرموا أشياء تحل كالبحيرة والسائبة وغيرهما وحللوا أشياء تحرم كالميتة . المسألة الثانية : اللام في قوله : { لِتُبَيِّنَ } تدل على أن أفعال الله تعالى معللة بالأغراض ، ونظيره آيات كثيرة منها قوله : { كِتَابٌ أَنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ } [ إبراهيم : 1 ] وقوله : { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] . وجوابه : أنه لما ثبت بالعقل امتناع التعليل وجب صرفه إلى التأويل . المسألة الثالثة : قال صاحب « الكشاف » قوله : { هُدًى وَرَحْمَةً } معطوفان على محل قوله : { لِتُبَيِّنَ } إلا أنهما انتصبا على أنه مفعول لهما ، لأنهما فعلا الذي أنزل الكتاب ، ودخلت اللام في قوله : { لِتُبَيِّنَ } لأنه فعل المخاطب لا فعل المنزل ، وإنما ينتصب مفعولاً له ما كان فعلاً لذلك الفاعل . المسألة الرابعة : قال الكلبي : وصف القرآن بكونه هدى ورحمة لقوم يؤمنون ، لا ينفي كونه كذلك في حق الكل ، كما أن قوله تعالى في أول سورة البقرة : { هُدًى لّلْمُتَّقِينَ } [ البقرة : 2 ] لا ينفي كونه هدى لكل الناس ، كما ذكره في قوله : { هُدًى لّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ } [ البقرة : 185 ] وإنما خص المؤمنين بالذكر من حيث إنهم قبلوه فانتفعوا به ، كما في قوله : { إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَـٰهَا } [ النازعات : 45 ] لأنه إنما انتفع بإنذاره هذا القوم فقط ، والله أعلم .