Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 76-76)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنه تعالى أبطل قول عبدة الأوثان والأصنام بهذا المثل الثاني ، وتقريره : أنه كما تقرر في أوائل العقول أن الأبكم العاجز لا يكون مساوياً في الفضل والشرف للناطق القادر الكامل مع استوائهما في البشرية ، فلان يحكم بأن الجماد لا يكون مساوياً لرب العالمين في المعبودية كان أولى ، ثم نقول : في الآية مسألتان : المسألة الأولى : أنه تعالى وصف الرجل الأول بصفات : الصفة الأولى : الأبكم وفي تفسيره أقوال نقلها الواحدي . الأول : قال أبو زيد رجل أبكم ، وهو العيي المقحم ، وقد بكم بكماً وبكامة ، وقال أيضاً : الأبكم الأقطع اللسان وهو الذي لا يحسن الكلام . الثاني : روى ثعلب عن ابن الأعرابي : الأبكم الذي لا يعقل . الثالث : قال الزجاح : الأبكم المطبق الذي لا يسمع ولا يبصر . الصفة الثانية : قوله : { لا يقدر على شيء } وهو إشارة إلى العجز التام والنقصان الكامل . والصفة الثالثة : قوله : { كل على مولاه } أي هذا الأبكم العاجز كل على مولاه . قال أهل المعاني : أصله من الغلظ الذي هو نقيض الحدة . يقال : كل السكين إذا غلظت شفرته فلم يقطع ، وكل لسانه إذا غلظ فلم يقدر على الكلام ، وكل فلان عن الأمر إذا ثقل عليه فلم ينبعث فيه . فقوله : { كل على مولاه } أي غليظ وثقيل على مولاه . الصفة الرابعة : قوله : { أينما يوجهه لا يأت بخير } أي أينما يرسله ، ومعنى التوجيه أن ترسل صاحبك في وجه معين من الطريق . يقال : وجهته إلى موضع كذا فتوجه إليه . وقوله : { لا يأت بخير } معناه لأنه عاجز لا يحسن ولا يفهم . ثم قال تعالى : { هل يستوي هو } أي هذا الموصوف بهذه الصفات الأربع : { ومن يأمر بالعدل } واعلم أن الآمر بالعدل يجب أن يكون موصوفاً بالنطق وإلا لم يكن آمراً ويجب أن يكون قادراً ، لأن الأمر مشعر بعلو المرتبة وذلك لا يحصل إلا مع كونه قادراً ، ويجب أن يكون عالماً حتى يمكنه التمييز بين العدل وبين الجور . فثبت أن وصفه بأنه يأمر بالعدل يتضمن وصفه بكونه قادراً عالماً ، وكونه آمراً يناقض كون الأول أبكم ، وكونه قادراً يناقض وصف الأول بأنه لا يقدر على شيء وبأنه كل على مولاه ، وكونه عالماً يناقض وصف الأول بأنه لا يأت بخير . ثم قال تعالى : { وهو على صراط مستقيم } معناه كونه عادلاً مبرأ عن الجور والعبث . إذا ثبت هذا فنقول : ظاهر في بديهة العقل أن الأول والثاني لا يستويان ، فكذا ههنا والله أعلم . المسألة الثانية : في المراد بهذا المثل أقوال كما في المثل المتقدم . فالقول الأول : قال مجاهد : كل هذا مثل إله الخلق وما يدعى من دونه من الباطل . وأما الأبكم فمثل الصنم ، لأنه لا ينطق ألبتة وكذلك لا يقدر على شيء ، وأيضاً كل على عابديه لأنه لا ينفق عليهم وهم ينفقون عليه ، وأيضاً إلى أي مهم توجه الصنم لم يأت بخير ، وأما الذي يأمر بالعدل فهو الله سبحانه وتعالى . والقول الثاني : أن المراد من هذا الأبكم : هو عبد لعثمان بن عفان كان ذلك العبد يكره الإسلام ، وما كان فيه خير ، ومولاه وهو عثمان بن عفان كان يأمر بالعدل وكان على الدين القويم والصراط المستقيم . والقول الثالث : أن المقصود منه : كل عبد موصوف بهذه الصفات المذمومة وكل حر موصوف بتلك الصفات الحميدة ، وهذا القول أولى من القول الأول ، لأن وصفه تعالى إياهما بكونهما رجلين يمنع من حمل ذلك على الوثن ، وكذلك بالبكم وبالكل وبالتوجه في جهات المنافع وكذلك وصف الآخر بأنه على صراط مستقيم يمنع من حمله على الله تعالى ، وأيضاً فالمقصود تشبيه صورة بصورة في أمر من الأمور ، وذلك التشبيه لا يتم إلا عند كون إحدى الصورتين مغايرة للأخرى . وأما القول الثاني : فضعيف أيضاً ، لأن المقصود إبانة التفرقة بين رجلين موصوفين بالصفات المذكورة ، وذلك غير مختص بشخص معين ، بل أيما حصل التفاوت في الصفات المذكورة حصل المقصود ، والله أعلم .