Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 26-28)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن هذا هو النوع الرابع من أعمال الخير والطاعة المذكورة في هذه الآيات وفيه مسائل : المسألة الأولى : قوله : { وَءاتِ } خطاب مع من ؟ فيه قولان : القول الأول : أنه خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم فأمره الله أن يؤتي أقاربه الحقوق التي وجبت لهم في الفيء والغنيمة ، وأوجب عليه أيضاً إخراج حق المساكين وأبناء السبيل أيضاً من هذين المثالين . والقول الثاني : أنه خطاب للكل والدليل عليه أنه معطوف على قوله : { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّـٰهُ } [ الإسراء : 23 ] والمعنى : أنك بعد فراغك من بر الوالدين ، يجب أن تشتغل ببر سائر الأقارب الأقرب فالأقرب ، ثم بإصلاح أحوال المساكين وأبناء السبيل . واعلم أن قوله تعالى : { وَءاتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ } مجمل وليس فيه بيان أن ذلك الحق ما هو ؟ وعند الشافعي رحمه الله أنه لا يجب الإنفاق إلا على الولد والوالدين ، وقال قوم : يجب الإنفاق على المحارم بقدر الحاجة واتفقوا على أن من لم يكن من المحارم كأبناء العم فلا حق لهم إلا الموادة والزيارة وحسن المعاشرة والمؤالفة في السراء والضراء . أما المسكين وابن السبيل فقد تقدم وصفهما في سورة التوبة في تفسير آية الزكاة . ويجب أن يدفع إلى المسكين ما يفي بقوته وقوت عياله ، وأن يدفع إلى ابن السبيل ما يكفيه من زاده وراحلته إلى أن يبلغ مقصده . ثم قال تعالى : { وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا } والتبذير في اللغة إفساد المال وإنفاقه في السرف . قال عثمان بن الأسود : كنت أطوف في المساجد مع مجاهد حول الكعبة فرفع رأسه إلى أبي قبيس وقال : لو أن رجلاً أنفق مثل هذا في طاعة الله لم يكن من المسرفين ، ولو أنفق درهماً واحداً في معصية الله كان من المسرفين . وأنفق بعضهم نفقة في خير فأكثر فقيل له لا خير في السرف فقال : لا سرف في الخير ، وعن عبد الله بن عمر قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسعد وهو يتوضأ فقال : ما هذا السرف يا سعد ؟ فقال : أو في الوضوء سرف ؟ قال : نعم : وإن كنت على نهر جارٍ ثم نبه تعالى على قبح التبذير بإضافته إياه إلى أفعال الشياطين فقال : { إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوٰنَ ٱلشَّيَـٰطِينِ } والمراد من هذه الأخوة التشبه بهم في هذا الفعل القبيح ، وذلك لأن العرب يسمون الملازم للشيء أخاً له ، فيقولون : فلان أخو الكرم والجود ، وأخو السفر إذا كان مواظباً على هذه الأعمال ، وقيل قوله : { إِخْوٰنَ ٱلشَّيَـٰطِينِ } أي قرناءهم في الدنيا والآخرة كما قال : { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [ الزخرف : 36 ] وقال تعالى : { ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوٰجَهُمْ } [ الصافات : 22 ] أي قرناءهم من الشياطين ، ثم إنه تعالى بين صفة الشيطان فقال : { وَكَانَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لِرَبّهِ كَفُورًا } ومعنى كون الشيطان كفوراً لربه ، هو أنه يستعمل بدنه في المعاصي والإفساد في الأرض ، والإضلال للناس . وكذلك كل من رزقه الله تعالى مالاً أو جاهاً فصرفه إلى غير مرضاة الله تعالى كان كفوراً لنعمة الله تعالى ، والمقصود : أن المبذرين إخوان الشياطين ، بمعنى كونهم موافقين للشياطين في الصفة والفعل ، ثم الشيطان كفور لربه فيلزم كون المبذر أيضاً كفوراً لربه ، وقال بعض العلماء : خرجت هذه الآية على وفق عادة العرب وذلك لأنهم كانوا يجمعون الأموال بالنهب والغارة ثم كانوا ينفقونها في طلب الخيلاء والتفاخر ، وكان المشركون من قريش وغيرهم ينفقون أموالهم ليصدوا الناس عن الإسلام وتوهين أهله ، وإعانة أعدائه فنزلت هذه الآية تنبيهاً على قبح أعمالهم في هذا الباب . ثم قال تعالى : { وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ٱبْتِغَاء رَحْمَةٍ مّن رَّبّكَ تَرْجُوهَا } والمعنى : أنك إن أعرضت عن ذي القربى والمسكين وابن السبيل حياء من التصريح بالرد بسبب الفقر والقلة : { فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا } أي سهلاً ليناً وقوله : { ٱبْتِغَاء رَحْمَةٍ مّن رَّبّكَ تَرْجُوهَا } كناية عن الفقر ، لأن فاقد المال يطلب رحمة الله وإحسانه . فلما كان فقد المال سبباً لهذا الطلب ولهذا الابتغاء أطلق اسم السبب على المسبب فسمى الفقر بابتغاء رحمة الله تعالى ، والمعنى : أن عند حصول الفقر والقلة لا تترك تعهدهم بالقول الجميل والكلام الحسن ، بل تعدهم بالوعد الجميل وتذكر لهم العذر وهو حصول القلة وعدم المال ، أو تقول لهم : الله يسهل ، وفي تفسير القول الميسور وجوه : الأول : القول الميسور هو الرد بالطريق الأحسن . والثاني : القول الميسور اللين السهل قال الكسائي : يسرت أيسر له القول أي لينته له . الثالث : قال بعضهم : القول الميسور مثل قوله : { قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى } [ البقرة : 263 ] قالوا : والميسور هو المعروف ، لأن القول المتعارف لا يحوج إلى تكلف ، والله أعلم .