Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 13-15)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنه تعالى ذكر من قبل جملة من واقعتهم ثم قال : { إنهم فتية آمنو بربهم } أي على وجه الصدق : { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم } كانوا جماعة من الشبان آمنوا بالله ، ثم قال تعالى في صفاتهم : { وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } أي ألهمناها الصبر وثبتناها : { إِذْ قَامُواْ } وفي هذا القيام أقوال : الأول : قال مجاهد كانوا عظماء مدينتهم فخرجوا فاجتمعوا وراء المدينة من غير ميعاد ، فقال رجل منهم أكبر القوم إني لأجد في نفسي شيئاً ما أظن أن أحداً يجده ، قالوا ما تجد ؟ قال أجد في نفسي أن ربي رب السموات والأرض . القول الثاني : أنهم قاموا بين يدي ملكهم دقيانوس الجبار ، وقالوا : ربنا رب السموات والأرض ، وذلك لأنه كان يدعو الناس إلى عبادة الطواغيت ، فثبت الله هؤلاء الفتية ، وعصمهم حتى عصوا ذلك الجبار ، وأقروا بربوبية الله ، وصرحوا بالبراءة عن الشركاء والأنداد . والقول الثالث : وهو قول عطاء ومقاتل أنهم قالوا ذلك عند قيامهم من النوم وهذا بعيد لأن الله استأنف قصتهم بقوله : { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ } وقوله : { لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا } معنى الشطط في اللغة مجاوزة الحد ، قال الفراء يقال قد أشط في السوم إذ جاوز الحد ولم يسمع إلا أشط يشط أشطاطاً وشططاً ، وحكى الزجاج وغيره شط الرجل وأشط إذا جاوز الحد ، ومنه قوله : { وَلاَ تُشْطِطْ } [ ص : 22 ] وأصل هذا من قولهم شطت الدار إذا بعدت ، فالشطط البعد عن الحق ، وهو ههنا منصوب على المصدر ، والمعنى لقد قلنا إذا قولاً شططاً ، أما قوله : { هَـؤُلاء قَوْمُنَا ٱتَّخَذْواْ مِن دُونِهِ ءالِهَةً } هذا من قول أصحاب الكهف ويعنون الذين كانوا في زمان دقيانوس عبدوا الأصنام { لَّوْلاَ يَأْتُونَ } - هلا يأتون - { عَلَيْهِم بِسُلْطَـٰنٍ بَيّنٍ } بحجة بينة ، ومعنى عليهم أي على عبادة الآلهة ، ومعنى الكلام أن عدم البينة بعدم الدلائل على ذلك لا يدل على عدم المدلول ، ومن الناس من يحتج بعدم الدليل على عدم المدلول ويستدل على صحة هذه الطريقة بهذه الآية . فقال إنه تعالى استدل على عدم الشركاء والأضداد بعدم الدليل عليها فثبت أن الاستدلال بعدم الدليل على عدم المدلول طريقة قوية ، ثم قال : { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا } يعني أن الحكم بثبوت الشيء مع عدم الدليل عليه ظلم وافتراء على الله وكذب عليه ، وهذا من أعظم الدلائل على فساد القول بالتقليد .