Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 4-6)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
في الآية مسائل : المسألة الأولى : اعلم أن قوله تعالى : { وَيُنْذِرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدًا } معطوف على قوله : { لِّيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مّن لَّدُنْهُ } [ الكهف : 2 ] والمعطوف يجب كونه مغايراً للمعطوف عليه فالأول عام في حق كل من استحق العذاب . والثاني خاص بمن أثبت لله ولداً ، وعادة القرآن جارية بأنه إذا ذكر قضية كلية عطف عليها بعض جزئياتها تنبيهاً على كونه أعظم جزئيات ذلك الكلي كقوله تعالى : { وَمَلـئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَـٰلَ } [ البقرة : 98 ] فكذا ههنا العطف يدل على أن أقبح أنواع الكفر والمعصية إثبات الولد لله تعالى . المسألة الثانية : الذين أثبتوا الولد لله تعالى ثلاث طوائف . أحدها : كفار العرب الذين قالوا : الملائكة بنات الله . وثانيها : النصارى حيث قالوا : المسيح ابن الله . وثالثها : اليهود الذين قالوا : عزيز ابن الله ، والكلام في أن إثبات الولد لله كفر عظيم ويلزم منه محالات عظيمة قد ذكرناه في سورة الأنعام في تفسير قوله تعالى : { وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ } [ الأنعام : 100 ] وتمامه مذكور في سورة مريم ، ثم إنه تعالى أنكر على القائلين بإثبات الولد لله تعالى من وجهين . الأول : قوله : { مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ لآبائهم } فإن قيل اتخاذ الله ولداً محال في نفسه فكيف قيل { ما لهم به من علم } ؟ قلنا : انتفاء العلم بالشيء قد يكون للجهل بالطريق الموصل إليه ، وقد يكون لأنه في نفسه محال لا يمكن تعلق العلم به . ونظيره قوله : { وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـهَا ءاخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ } [ المؤمنون : 117 ] واعلم أن نفاة القياس تمسكوا بهذه الآية فقالوا : هذه الآية تدل على أن القول في الدين بغير علم باطل ، والقول بالقياس الظني قول في الدين بغير علم فيكون باطلاً وتمام تقريره مذكور في قوله : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [ الإسراء : 36 ] وقوله : { وَلاَ لآبائهم } أي ولا أحد من أسلافهم ، وهذا مبالغة في كون تلك المقالة باطلة فاسدة . النوع الثاني : مما ذكره الله في إبطاله قوله : { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } وفيه مباحث : البحث الأول : قرىء : { كَبُرَتْ كَلِمَةً } بالنصب على التمييز وبالرفع على الفاعلية ، قال الواحدي ومعنى التمييز أنك إذا قلت كبرت المقالة أو الكلمة جاز أن يتوهم أنها كبرت كذباً أو جهلاً أو افتراء ، فلما قلت كلمة ميزتها من محتملاتها فانتصبت على التمييز والتقدير كبرت الكلمة كلمة فحصل فيه الإضمار ، أما من رفع فلم يضمر شيئاً كما تقول عظم فلان فلذلك قال النحويون والنصب أقوى وأبلغ ، وفيه معنى التعجب كأنه قيل ما أكبرها كلمة . البحث الثاني : قوله : { كَبُرَتْ } أي كبرت الكلمة . والمراد من هذه الكلمة ما حكاه الله تعالى عنهم في قوله : { قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدًا } فصارت مضمرة في كبرت وسميت كلمة كما يسمون القصيدة كلمة . البحث الثالث : احتج النظام في إثبات قوله : أن الكلام جسم بهذه الآية قال : إنه تعالى وصف الكلمة بأنها تخرج من أفواههم والخروج عبارة عن الحركة والحركة لا تصح إلا على الأجسام . والجواب أن الحروف إنما تحدث بسبب خروج النفس عن الحلق ، فلما كان خروج النفس سبباً لحدوث الكلمة أطلق لفظ الخروج على الكلمة . البحث الرابع : قوله : { تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } يدل على أن هذا الكلام مستكره جداً عند العقل كأنه يقول : هذا الذي يقولونه لا يحكم به عقلهم وفكرهم ألبتة لكونه في غاية الفساد والبطلان ، فكأنه شيء يجري به لسانهم على سبيل التقليد ، لأنهم مع أنها قولهم عقولهم وفكرهم تأباها وتنفر عنها ثم قال تعالى : { إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا } ومعناه ظاهر ، واعلم أن الناس قد اختلفوا في حقيقة الكذب . فعندنا أنه الخبر الذي لا يطابق المخبر عنه سواء اعتقد المخبر أنه مطابق أم لا ؟ ومن الناس من قال شرط كونه كذباً أن لا يطابق المخبر عنه مع علم قائله بأنه غير مطابق ، وهذا القيد عندنا باطل ، والدليل عليه هذه الآية فإنه تعالى وصف قولهم بإثبات الولد لله بكونه كذباً ، مع أن الكثير منهم يقول ذلك ، ولا يعلم كونه باطلاً ، فعلمنا أن كل خبر لا يطابق المخبر عنه فهو كذب سواء علم القائل بكونه مطابقاً أو لم يعلم ، ثم قال تعالى : { فَلَعَلَّكَ بَـٰخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ ءاثَـٰرِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } وفيه مباحث : البحث الأول : المقصود منه أن يقال للرسول : لا يعظم حزنك وأسفك بسبب كفرهم فإنا بعثناك منذراً ومبشراً فأما تحصيل الإيمان في قلوبهم فلا قدرة لك عليه . والغرض تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عنه . البحث الثاني : قال الليث : بخع الرجل نفسه إذا قتلها غيظاً من شدة وجده بالشيء . وقال الأخفش والفراء أصل البخع الجهد . يقال : بخعت لك نفسي أي جهدتها ، وفي حديث عائشة رضي الله عنها أنها ذكرت عمر فقالت : بخع الأرض أي جهدها حتى أخذ ما فيها من أموال الملوك . وقال الكسائي : بخعت الأرض بالزراعة إذا جعلتها ضعيفة بسبب متابعة الحراثة وبخع الرجل نفسه إذا نهكها وعلى هذا معنى : { بَـٰخِعٌ نَّفْسَكَ } أي ناهكها وجاهدها حتى تهلكها ولكن أهل التأويل كلهم قالوا : قاتل نفسك ومهلكها والأصل ما ذكرناه ، هكذا قال الواحدي . البحث الثالث : قوله : { عَلَىٰ ءاثَـٰرِهِمْ } أي من بعدهم يقال مات فلان على أثر فلان أي بعده وأصل هذا أن الإنسان إذا مات بقيت علاماته وآثاره بعد موته مدة ثم إنها تنمحي وتبطله بالكلية ، فإذا كان موته قريباً من موت الأول كان موته حاصلاً حال بقاء آثار الأول فصح أن يقال مات فلان على أثر فلان . البحث الرابع : قوله { إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ } المراد بالحديث القرآن . قال القاضي : وهذا يقتضي وصف القرآن بأنه حديث وذلك يدل على فساد قول من يقول : إنه قديم وجوابه أنه محمول على الألفاظ وهي حادثة . البحث الخامس : قوله : { أَسَفاً } الأسف المبالغة في الحزن وذكرنا الكلام فيه عند قوله : { غَضْبَـٰنَ أَسِفًا } في سورة الأعراف [ 150 ] وعند قوله : { يا أسفي عَلَىٰ يُوسُفَ } [ يوسف : 84 ] وفي انتصابه وجوه . الأول : أنه نصب على المصدر ودل ما قبله من الكلام على أنه يأسف . الثاني : يجوز أن يكون مفعولاً له أي للأسف كقولك جئتك ابتغاء الخير . والثالث : قال الزجاج : { أَسَفاً } منصوب لأنه مصدر في موضع الحال . البحث السادس : الفاء في قوله : { فَلَعَلَّكَ } جواب الشرط وهو قوله : { إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ } قدم عليه ومعناه التأخير .