Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 61-67)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن القوم لما شاهدوا كسر الأصنام ، وقيل إن فاعله إبراهيم عليه السلام قالوا فيما بينهم : { فَأْتُواْ بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ ٱلنَّاسِ } قال صاحب « الكشاف » : على أعين الناس في محل الحال أي فأتوا به مشاهداً أي بمرأى منهم ومنظر . فإن قلت : ما معنى الاستعلاء في على ؟ قلت : هو وارد على طريق المثل أي يثبت إتيانه في الأعين ثبات الراكب على المركوب . أما قوله تعالى : { لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ } ففيه وجهان : أحدهما : أنهم كرهوا أن يأخذوه بغير بينة فأرادوا أن يجيئوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون عليه بما قاله فيكون حجة عليه بما فعل . وهذا قول الحسن وقتادة والسدي وعطاء وابن عباس رضي الله عنهم . وثانيهما : وهو قول محمد ابن إسحق أي يحضرون فيبصرون ما يصنع به فيكون ذلك زاجراً لهم عن الإقدام على مثل فعله ، وفيه قول ثالث : وهو قول مقاتل والكلبي أن المراد مجموع الوجهين فيشهدون عليه بفعله ويشهدون عقابه . أما قوله تعالى : { قَالُواْ ءَأَنْتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا } فاعلم أن في الكلام حذفاً ، وهو : فأتوا به وقالوا أأنت فعلت ، طلبوا منه الاعتراف بذلك ليقدموا على إيذائه ، فظهر منه ما انقلب الأمر عليهم حتى تمنوا الخلاص منه ، فقال : { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا } وقد علق الفأس على رقبته لكي يورد هذا القول فيظهر جهلهم في عبادة الأوثان ، فإن قيل قوله : بل فعله كبيرهم كذب . والجواب للناس فيه قولان : أحدهما : وهو قول كافة المحققين أنه ليس بكذب ، وذكروا في الاعتذار عنه وجوهاً . أحدها : أن قصد إبراهيم عليه السلام لم يكن إلى أن ينسب الفعل الصادر عنه إلى الصنم ، إنما قصد تقرير لنفسه وإثباته لها على أسلوب تعريضي يبلغ فيه غرضه من إلزامهم الحجة وتبكيتهم ، وهذا كما لو قال لك صاحبك ، وقد كتبت كتاباً بخط رشيق ، وأنت شهير بحسن الخط ، أأنت كتبت هذا ؟ وصاحبك أمي لا يحسن الخط ولا يقدر إلا على خرمشة فاسدة ، فقلت له : بل كتبته أنت ، كأن قصدك بهذا الجواب تقرير ذلك مع الاستهزاء به لا نفيه عنك وإثباته للأمي أو المخرمش ، لأن إثباته والأمر دائر بينهما للعاجز منهما استهزاء به وإثبات للقادر . وثانيها : أن إبراهيم عليه السلام غاظته تلك الأصنام حين أبصرها مصطفة مزبنة . وكان غيظه من كبيرها أشد لما رأى من زيادة تعظيمهم له فأسند الفعل إليه لأنه هو السبب في استهانته بها وحطمه لها ، والفعل كما يسند إلى مباشره يسد إلى الحامل عليه . وثالثها : أن يكون حكاية لما يلزم على مذهبهم كأنه قال لهم : ما تنكرون أن يفعله كبيرهم ، فإن من حق من يعبد ويدعي إلهاً أن يقدر على هذا وأشد منه . وهذه الوجوه الثلاثة ذكرها صاحب « الكشاف » . ورابعها : أنه كناية عن غير مذكور ، أي فعله من فعله وكبيرهم هذا ابتداء الكلام ويروى عن الكسائي أنه كان يقف عند قوله بل فعله ثم يبتدىء كبيرهم هذا . وخامسها : أنه يجوز أن يكون فيه وقف عند قوله كبيرهم ثم يبتدىء فيقول هذا فاسألوهم ، والمعنى بل فعله كبيرهم وعنى نفسه لأن الإنسان أكبر من كل صنم . وسادسها : أن يكون في الكلام تقديم وتأخير كأنه قال : بل فعله كبيرهم هذا إن كانوا ينطقون فاسألوهم فتكون إضافة الفعل إلى كبيرهم مشروطاً بكونهم ناطقين فلما لم يكونوا ناطقين امتنع أن يكونوا فاعلين . وسابعها : قرأ محمد بن السميفع فعله كبيرهم أي فلعل الفاعل كبيرهم . القول الثاني : وهو قول طائفة من أهل الحكايات ، أن ذلك كذب واحتجوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " " لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات كلها في ذات الله تعالى ، قوله : { إِنّى سَقِيمٌ } وقوله : { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا } وقوله لسارة هي أختي " " وفي خبر آخر : " " أن أهل الموقف إذا سألوا إبراهيم الشفاعة قال : إني كذبت ثلاث كذبات " " ثم قرروا قولهم من جهة العقل وقالوا : الكذب ليس قبيحاً لذاته ، فإن النبي عليه السلام إذا هرب من ظالم واختفى في دار إنسان ، وجاء الظالم وسأل عن حاله فإنه يجب الكذب فيه ، وإذا كان كذلك فأي بعد في أن يأذن الله تعالى في ذلك لمصلحة لا يعرفها إلا هو ، واعلم أن هذا القول مرغوب عنه . أما الخبر الأول وهو الذي رووه فلأن يضاف الكذب إلى رواته أولى من أن يضاف إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، والدليل القاطع عليه أنه لو جاز أن يكذبوا لمصلحة ويأذن الله تعالى فيه ، فلنجوز هذا الاحتمال في كل ما أخبروا عنه ، وفي كل ما أخبر الله تعالى عنه وذلك يبطل الوثوق بالشرائع وتطرق التهمة إلى كلها ، ثم إن ذلك الخبر لو صح فهو محمول على المعاريض على ما قال عليه السلام : " " إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب " " فأما قوله تعالى : { إِنّى سَقِيمٌ } فلعله كان به سقم قليل واستقصاء الكلام فيه يجيء في موضعه . وأما قوله : { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ } فقد ظهر الجواب عنه . أما قوله لسارة : إنها أختي ، فالمراد أنها أخته في الدين ، وإذا أمكن حمل الكلام على ظاهره من غير نسبة الكذب إلى الأنبياء عليهم السلام فحينئذ لا يحكم بنسبة الكذب إليهم إلا زنديق . أما قوله تعالى : { فَرَجَعُواْ إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُواْ إِنَّكُمْ أَنتُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } ففيه وجوه : الأول : أن إبراهيم عليه السلام لما نبههم بما أورده عليهم على قبح طريقهم تنبهوا فعلموا أن عبادة الأصنام باطلة ، وأنهم على غرور وجهل في ذلك . والثاني : قال مقاتل : فرجعوا إلى أنفسهم فلاموها وقالوا إنكم أنتم الظالمون لإبراهيم حيث تزعمون أنه كسرها مع أن الفأس بين يدي الصنم الكبير . وثالثها : المعنى أنكم أنتم الظالمون لأنفسكم حيث سألتم منه عن ذلك حتى أخذ يستهزىء بكم في الجواب ، والأقرب هو الأول . أما قوله تعالى : { ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُؤُوسَهُمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَــٰؤُلاء يَنطِقُونَ } فقال صاحب « الكشاف » : نكسه قلبه فجعل أسفله أعلاه وفيه مسألتان : المسألة الأولى : في المعنى وجوه : أحدها : أن المراد استقاموا حين رجعوا إلى أنفسهم وأتوا بالفكرة الصالحة ، ثم انتكسوا فقلبوا عن تلك الحالة ، فأخذوا [ في ] المجادلة بالباطل وأن هؤلاء مع تقاصر حالها عن حال الحيوان الناطق آلهة معبودة . وثانيها : قلبوا على رؤوسهم حقيقة لفرط إطراقهم خجلاً وانكساراً وانخذالاً مما بهتهم به إبراهيم فما أحاروا جواباً إلا ما هو حجة عليهم . وثالثها : قال ابن جرير ثم نكسوا على رؤوسهم في الحجة عليهم لإبراهيم حين جادلهم . أي قلبوا في الحجة واحتجوا على إبراهيم بما هو الحجة لإبراهيم عليهم ، فقالوا : { لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـؤُلاء يَنطِقُونَ } فأقروا بهذه للحيرة التي لحقتهم ، قال والمعنى نكست حجتهم فأقيم الخبر عنهم مقام الخبر عن حجتهم . المسألة الثانية : قرىء نكسوا بالتشديد ونكسوا على لفظ ما لم يسم فاعله ، أي نكسوا أنفسهم على رؤوسهم وهي قراءة رضوان بن عبد المعبود . أما قوله تعالى : { قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ * أُفّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } فالمعنى ظاهر . قال صاحب « الكشاف » : أف صوت إذا صوت به علم أن صاحبه متضجر ، وإن إبراهيم عليه السلام أضجره ما رأى من ثباتهم على عبادتها بعد انقطاع عذرهم ، وبعد وضوح الحق وزهوق الباطل ، فتأفف بهم . ثم يحتمل أنه قال لهم ذلك وقد عرفوا صحة قوله . ويحتمل أنه قال لهم ذلك وقد ظهرت الحجة وإن لم يعقلوا . وهذا هو الأقرب لقوله : { أَفَتَعْبُدُونَ } ولقوله : { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } .