Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 76-80)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اختلفوا في قوله : { وَلَقَدْ أَخَذْنَـٰهُمْ بِٱلْعَذَابِ } على وجوه : أحدها : أنه لما أسلم ثمامة بن أثال الحنفي ولحق باليمامة منع الميرة عن أهل مكة فأخذهم الله بالسنين حتى أكلوا الجلود والجيف ، فجاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ألست تزعم أنك بعثت رحمة العالمين ، ثم قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع ، فادع الله يكشف عنا هذا القحط . فدعا فكشف عنهم فأنزل الله هذه الآية ، والمعنى أخذناهم بالجوع فما أطاعوا وثانيها : هو الذي نالهم يوم بدر من القتل والأسر ، يعني أن ذلك مع شدته ما دعاهم إلى الإيمان عن الأصم وثالثها : المراد من عذب من الأمم الخوالي { فَمَا ٱسْتَكَانُواْ } أي مشركي العرب لربهم عن الحسن ورابعها : أن شدة الدنيا أقرب إلى المكلف من شدة الآخرة ، فإذا لم تؤثر فيهم شدة الدنيا فشدة الآخرة كذلك ، وهذا يدل على أنهم { لَوْ رُدُّواْ لَعَـٰدُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [ الأنعام : 28 ] . أما قوله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ } ففيه وجهان : أحدهما : حتى إذا فتحنا عليهم باب الجوع الذي هو أشد من القتل والأسر والثاني : إذا عذبوا بنار جهنم فحينئذ يبلسون كقوله : { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُبْلِسُ ٱلْمُجْرِمُونَ } [ الروم : 12 ] ، { لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } [ الزخرف : 75 ] والإبلاس اليأس من كل خير ، وقيل السكون مع التحسير . وههنا سؤالات : السؤال الأول : ما وزن استكان ؟ الجواب : استفعل من السكون أي انتقل من كون إلى كون ، كما قيل استحال إذا انتقل من حال إلى حال ، ويجوز أن يكون افتعل من السكون أشبعت فتحة عينه . السؤال الثاني : لم جاء { ٱسْتَكَانُواْ } بلفظ الماضي و { يَتَضَرَّعُونَ } بلفظ المستقبل ؟ الجواب : لأن المعنى امتحناهم فما وجدنا منهم عقيب المحنة استكانة ، وما من عادة هؤلاء أن يتضرعوا حتى يفتح عليهم باب العذاب الشديد وقرىء فتحنا . السؤال الثالث : العطف لا يحسن إلا مع المجانسة فأي مناسبة بين قوله : { وَهُوَ ٱلَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَـٰرَ } وبين ما قبله ؟ الجواب : كأنه سبحانه لما بين مبالغة أولئك الكفار في الأعراض عن سماع الأدلة ورؤية العبر والتأمل في الحقائق قال للمؤمنين ، وهو الذي أعطاكم هذه الأشياء ووقفكم عليها ، تنبيهاً على أن من لم يستعمل هذه الأعضاء فيما خلقت له فهو بمنزلة عادمها كما قال تعالى : { فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَـٰرُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مّن شَيْء إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِـئَايَـٰتِ ٱللَّهِ } [ الأحقاف : 26 ] تنبيهاً على أن حرمان أولئك الكفار ووجدان هؤلاء المؤمنين ليس إلا من الله . واعلم أنه سبحانه بين عظيم نعمه من وجوه : أحدها : بإعطاء السمع والأبصار والأفئدة وخص هذه الثلاثة بالذكر لأن الاستدلال موقوف عليها ، ثم بين أنه يقل منهم الشاكرون ، قال أبو مسلم وليس المراد أن لهم شكراً وإن قل ، لكنه كما يقال للكفور الجاحد للنعمة ما أقل شكر فلان وثانيها : قوله : { وَهُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ } قيل في التفسير { خَلَقَكُمْ } قال أبو مسلم : ويحتمل بسطكم فيها ذرية بعضكم من بعض حتى كثرتم كقوله تعالى : { ذُرّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ } [ الإسراء : 3 ] فنقول : هو الذي جعلكم في الأرض متناسلين ، ويحشركم يوم القيامة إلى دار لا حاكم فيها سواه ، فجعل حشرهم إلى ذلك الموضع حشراً إليه لا بمعنى المكان وثالثها : قوله : { وَهُوَ ٱلَّذِي يُحيِ وَيُمِيتُ } أي نعمة الحياة وإن كانت من أعظم النعم فهي منقطعة وأنه سبحانه وإن أنعم بها فالمقصود منها الانتقال إلى دار الثواب ورابعها : قوله : { وَلَهُ ٱخْتِلَـٰفُ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } ووجه النعمة بذلك معلوم ، ثم إنه سبحانه حذر من ترك النظر في هذه الأمور فقال : { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } لأن ذلك دلالة الزجر والتهديد وقرىء { أَفَلاَ يَعْقِلُونَ } .