Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 1-1)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ العامة سورة بالرفع ، وقرأ طلحة بن مصرف بالنصب ، أما الذين قرأوا بالرفع فالجمهور قالوا الابتداء بالنكرة لا يجوز ، والتقدير هذه سورة أنزلناها ، أو نقول سورة أنزلناها مبتدأ موصوف ، والخبر محذوف أي فيما أوحينا إليك سورة أنزلناها ، وقال الأخفش لا يبعد الابتداء بالنكرة فسورة مبتدأ وأنزلنا خبره ، ومن نصب فعلى معنى الفعل ، يعني اتبعوا سورة أو أتل سورة أو أنزلنا سورة ، وأما معنى السورة ومعنى الإنزال فقد تقدم ، فإن قيل الإنزال إنما يكون من صعود إلى نزول ، فهذا يدل على أنه تعالى في جهة ، قلنا : الجواب من وجوه : أحدها : أن جبريل عليه السلام كان يحفظها من اللوح المحفوظ ثم ينزلها عليه صلى الله عليه وسلم ، فلهذا جاز أن يقال أنزلناها توسعاً وثانيها : أن الله تعالى أنزلها من أم الكتاب في السماء الدنيا دفعة واحدة ثم أنزلها بعد ذلك نجوماً على لسان جبريل عليه السلام وثالثها : معنى { أَنزَلْنَـٰهَا } أي أعطيناها الرسول ، كما يقول العبد إذا كلم سيده رفعت إليه حاجتي ، كذلك يكون من السيد إلى العبد الإنزال قال الله تعالى : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ يَرْفَعُهُ } [ فاطر : 10 ] . أما قوله : { وَفَرَضْنَـٰهَا } فالمشهور قراءة التخفيف ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالتشديد . أما قراءة التخفيف فالفرض هو القطع والتقدير قال الله تعالى : { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } [ البقرة : 237 ] أي قدرتم { إِنَّ ٱلَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْءَانَ } [ القصص : 85 ] أي قدر ، ثم إن السورة لا يمكن فرضها لأنها قد دخلت في الوجود وتحصيل الحاصل محال ، فوجب أن يكون المراد وفرضنا ما بين فيها ، وإنما قال ذلك لأن أكثر ما في هذه السورة من باب الأحكام والحدود فلذلك عقبها بهذا الكلام ، وأما قراءة التشديد فقال الفراء : التشديد للمبالغة والتكثير ، أما المبالغة فمن حيث إنها حدود وأحكام فلا بد من المبالغة في إيجابها ليحصل الانقياد لقبولها ، وأما التكثير فلوجهين : أحدهما : أن الله تعالى بين فيها أحكاماً مختلفة والثاني : أنه سبحانه وتعالى أوجبها على كل المكلفين إلى آخر الدهر ، أما قوله : { وأنزلنا فيها آيات بينات } ففيه وجوه : أحدها : أنه سبحانه ذكر في أول السورة أنواعاً من الأحكام والحدود وفي آخرها دلائل التوحيد فقوله : { وَفَرَضْنَـٰهَا } إشارة إلى الأحكام التي بينها أولاً ثم قوله : { وأنزلنا فيها آيات بينات } إشارة إلى ما بين من دلائل التوحيد ، والذي يؤكد هذا التأويل قوله : { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } فإن الأحكام والشرائع ما كانت معلومة لهم ليؤمروا بتذكيرها . أما دلائل التوحيد فقد كانت كالمعلومة لهم لظهورها فأمروا بتذكيرها . وثانيها : قال أبو مسلم يجوز أن تكون الآيات البينات ما ذكر فيها من الحدود والشرائع كقوله : { رَبّ ٱجْعَل لِّي ءايَةً قَالَ ءَايَتُكَ أَلاّ تُكَلّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَـٰثَ لَيَالٍ سَوِيّاً } [ مريم : 10 ] سأل ربه أن يفرض عليه عملاً وثالثها : قال القاضي إن السورة كما اشتملت على عمل الواجبات فقد اشتملت على كثير من المباحثات بأن بينها الله تعالى ، ولما كان بيانه سبحانه لها مفصلاً وصف الآيات بأنها بينات . أما قوله تعالى : { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } فقرىء بتشديد الذال وتخفيفها ، ومعنى لعل قد تقدم في سورة البقرة ، قال القاضي لعل بمعنى كي ، وهذا يدل على أنه سبحانه أراد من جميعهم أن يتذكروا والجواب : أنه سبحانه لو أراد ذلك من الكل لما قوى دواعيهم إلى جانب المعصية ، ولو لم توجد تلك التقوية لزم وقوع الفعل لا لمرجح ، ولو جاز ذلك لما جاز الاستدلال بالإمكان والحدوث على وجود المرجح ويلزم نفي الصانع ، وإذا كان كذلك وجب حمل لعل على سائر الوجوه المذكورة في سورة البقرة واعلم أنه سبحانه ذكر في هذه السورة أحكاماً كثيرة :