Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 21-21)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
النوع التاسع قرىء خطوات بضم الطاء وسكونها ، والخطوات جمع خطوة وهو من خطا الرجل يخطو خطواً ، فإذا أردت الواحدة قلت خطوة مفتوحة الأول ، والجمع يفتح أوله ويضم ، والمراد بذلك السيرة والطريقة ، والمعنى لا تتبعوا آثار الشيطان ولا تسلكوا مسالكه في الإصغاء إلى الإفك والتلقي له وإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا ، والله تعالى وإن خص بذلك المؤمنين فهو نهي لكل المكلفين وهو قوله : { وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوٰتِ ٱلشَّيْطَـٰنِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ } ومعلوم أن كل المكلفين ممنوعون من ذلك ، وإنما قلنا إنه تعالى خص المؤمنين بذلك لأنه توعدهم على اتباع خطواته بقوله : { وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوٰتِ ٱلشَّيْطَـٰنِ } وظاهر ذلك أنهم لم يتبعوه ، ولو كان المراد به الكفار لكانوا قد اتبعوه ، فكأنه سبحانه لما بين ما على أهل الإفك من الوعيد أدب المؤمنين أيضاً ، بأن خصهم بالذكر ليتشددوا في ترك المعصية ، لئلا يكون حالهم كحال أهل الإفك والفحشاء والفاحشة ما أفرط قيحه ، والمنكر ما تنكره النفوس فتنفر عنه ولا ترتضيه . أما قوله : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مّنْ أَحَدٍ أَبَداً } فقرأ يعقوب وابن محيصن ما زكى بالتشديد ، واعلم أن الزكي من بلغ في طاعة الله مبلغ الرضا ومنه يقال زكى الزرع ، فإذا بلغ المؤمن من الصلاح في الدين إلى ما يرضاه الله تعالى سمى زكياً ، ولا يقال زكى إلا إذا وجد زكياً ، كما لا يقال لمن ترك الهدى هداه الله تعالى مطلقاً ، بل يقال هداه الله فلم يهتد ، واحتج أصحابنا في مسألة المخلوق بقوله : { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء } فقالوا التزكية كالتسويد والتحمير فكما أن التسويد تحصيل السواد ، فكذا التزكية تحصيل الزكاء في المحل ، قالت المعتزلة ههنا تأويلان : أحدهما : حمل التزكية على فعل الألطاف والثاني : حملها على الحكم بكون العبد زكياً ، قال أصحابنا : الوجهان على خلاف الظاهر ، ثم نقيم الدلالة العقلية على بطلانهما أيضاً أما الوجه الأول : فيدل على فساده وجوه : أحدها : أن فعل اللطف هل يرجح الداعي أو لا يرجحه فإن لم يرجحه ألبتة لم يكن به تعلق فلا يكون لطفاً ، وإن رجحه فنقول المرجح لا بد وأن يكون منتهياً إلى حد الوجوب ، فإنه مع ذلك القدر من الترجيح إما أن يمتنع وقوع الفعل عنده أو يمكن أو يجب ، فإن امتنع كان مانعاً لا داعياً ، وإن أمكن أن يكون وأن لا يكون ، فكل ما يمكن لا يلزم من فرض وقوعه محال ، فليفرض تارة واقعاً وأخرى غير واقع ، فامتياز وقت الوقوع عن وقت اللاوقوع ، إما أن يتوقف على انضمام قيد إليه أو لا يتوقف ، فإن توقف كان المرجح هو المجموع الحاصل بعد انضمام هذا القيد ، فلا يكون الحاصل أولاً مرجحاً ، وإن لم يتوقف كان اختصاص أحد الوقتين بالوقوع والآخر باللاوقوع ترجيحاً للممكن من غير مرجح وهو محال ، وأما إن اللطف مرجحاً موجباً كان فاعل اللطف فاعلاً للملطوف فيه ، فكان تعالى فاعلاً لفعل العبد الثاني : أنه تعالى قال : { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء } علق التزكية على المشيئة وفعل اللطف واجب ، والواجب لا يتعلق بالمشيئة الثالث : أنه علق التزكية على الفضل والرحمة وخلق الألطاف واجب فلا يكون معلقاً بالفضل والرحمة وأما الوجه الثاني : وهو الحكم بكونه زكياً فذلك واجب لأنه لو يحكم به لكان كذباً والكذب على الله تعالى محال ، فكيف يجوز تعليقه بالمشيئة ؟ فثبت أن قوله : { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكّي مَن يَشَاء } نص في الباب . أما قوله : { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } فالمراد أنه يسمع أقوالكم في القذف وأقوالكم في إثبات البراءة ، عليم بما في قلوبكم من محبة إشاعة الفاحشة أو من كراهيتها ، وإذا كان كذلك وجب الاحتراز عن معصيته .